التعليم في سورية ما بين التجارة والشطارة!!

إيمان أحمد ونوس:

يُعدُّ التعليم الركن الأساسي في تطور المجتمعات وتقدمها، لذا تعكف الحكومات والدول على سنّ التشريعات التي تُمهّد الطرق وتُسهلها أمام هذه العملية التنموية عبر تخصيص الميزانيات اللازمة للبحث العملي وتطوير المناهج وأساليب العملية التربوية والتعليمية من خلال رفدها بكادر تعليمي مؤهل من المدرّسين والمختصين من جهة، إضافة إلى تحسين وتجديد البنى التحتية كافتتاح العديد من المدارس والجامعات وما يتبعهما من مختبرات وملاعب وما شابه.

صحيح أن سورية من الدول الرائدة على مستوى التعليم المجاني من مراحله الأولى حتى المرحلة الجامعية، إذ لا يمكن للرسوم التي يدفعها الطالب أن تغطي الجزء اليسير ممّا تحتاجه العملية التعليمية، غير أن انتهاج سياسة الانفتاح أمام القطاع الخاص في مجال التعليم قد أثّر بشكل كبير على نوعية التعليم ومستوياته في كل المراحل، فقد بات التعليم عموماً في سورية مجرّد مشروع تجاري حتى على مستوى المُدرّسين الذين يُفكّرون ويُخطّطون للطرق التي سيتّخذونها من أجل الدروس الخصوصية التي تشمل ليس فقط طلاب التعليم الحكومي، وإنما أيضاً التعليم الخاص. وهنا، وحين يتحوّل التعليم من مشروع تنويري تثقيفي تعليمي لبناء الوطن والمواطن، إلى مُجرّد مشروع تجاري بحت، فإنه يفقد خاصيته الأساسية، ودوره المحوري في القضاء على الجهل والتخلّف، بل بالعكس فهذا التحوّل سيُعزز الجهل والتخلّف على مختلف المستويات العامة والخاصّة.

يُضاف إلى كل ما ذُكِرَ أعلاه الواقع الذي فرضته سنوات الحرب الماضية والذي أدى إلى تدنّي مستويات التعليم في مختلف المراحل إلى مستويات غير مقبولة، بسبب تقلّص عدد المدارس ولكل المراحل في العديد من المدن السورية، حتى بلغ عدد الطلاب في الشُعَبْ الصفيّة أكثر من خمسين طالباً يفترش العديد منهم الأرض لعدم توفر المقاعد، وهذا وضع لا يُمكّن المُدرّس من القيام بواجباته من ضبط وتفاعل وحوار ليكون التعليم مُجدياً ومثمراً. كما ارتفعت نسب التسرّب المدرسي للأسباب المذكورة، ولأن العديد من الأُسَر تزجُّ بأبنائها في سوق العمل في ظلّ الظروف المعيشية القاسية التي يُعاني منها غالبية السوريين، وهذا ما جعل نسبة كبيرة من أطفال سورية خارج مظلّة التعليم، وبالتالي فإن الأهداف المبتغاة ستتلاشى أمام هذا الواقع وسنكون وتكون البلاد أمام مستقبل مُظلم في الوقت الذي نحتاج فيه إلى بصيص ضوء ولو شحيح رغم المحاولات العديدة لوزارة التربية ومنظمة اليونيسيف لتفادي هذا الواقع عبر مشروع إعادة الأطفال المتسربين وفق برنامج تعليم الفئة/ ب/ أو ما سُمّي عامين بعام والذي بدأ العمل به منذ ما ينوف عن السنوات الخمس.

إن واقع التعليم في الجامعات والمعاهد ليس أفضل حالاً من التعليم في المدارس، وذلك نتيجة اعتماد سياسات بعيدة كل البعد عن واقع البلاد والمجتمع، لاسيما في ظلّ المرحلة الراهنة التي ابتدأت خاصة مع نشوب الحرب سواء على مستوى القبول الجامعي أو المقررات ونوعية التعليم والسياسات المُتّبعة ما بين العام والمفتوح والموازي، يرافقها على المسار الآخر التعليم في الجامعات الخاصة، ما دفع أيضاً العديد من الطلبة إمّا إلى هجر التعليم الجامعي، وهذا باعتقادي تسرّب آخر يُضاف إلى التسرّب المدرسي الذي يكون مآله مزيداً من التخلف والأميّة، أو الذهاب لسوق العمل ورفع نسب البطالة أكثر ممّا هي عليه الآن من أرقام باتت مرعبة، وآخر المطاف قد يلجأ أولئك الطلبة الجامعيون إلى الهجرة للبحث عن مصادر علم أو عمل خارج وطن كان عليه أن يحقق أحلامهم ليرتقي بهم وبعلمهم.

إن هذه الإجراءات التي تتبعها الحكومة ممثلة بوزارتي التربية والتعليم العالي لا يُفهم منها سوى أنها غير آبهة لا بمستقبل أجيالنا ولا بمستقبل الوطن رغم كل ما يعيشه من أزمات دمّرت كل إمكانية النهوض ثانية قبل مضي عقود قادمة.

العدد 1104 - 24/4/2024