في كل عام.. الأمنيات ذاتها وتزيد
إيناس ونوس:
ما هي إلَّا بضعة أيَّامٍ وتعود الشَّوارع إلى صخبها مجدداً، مستعيدةً حيويتها ونشاطها على مدار اليوم من السَّاعة السابعة صباحاً حتى الخامسة مساءً.. هي بضعة أيامٍ ويعود أطفالنا لمتابعة دراستهم وحياتهم المدرسية، وسط مشاعر متناقضةً لدى الأهل، بحكم الظُّروف الاقتصادية والمعيشية المذلَّة التي نحياها اليوم، فالاستعدادات لبداية العام الدراسي لم تعد كلمةً سهلة، المتطلَّبات تتزايد والأسعار تحلِّق في الفضاء الرَّحب، لكني لن أطيل الشَّرح في هذا الجانب فقد بات حديث اللَّحظة بين الجميع، إنما ومن موقعي كعاملةٍ في الحقل التَّربوي أودُّ أن أناقش بعض النِّقاط المرتبطة ببداية العام الدراسي وبعض القرارات الصَّادرة عن وزارة التربية لهذا العام تحديداً.
من المفترض أن تكون البداية محمَّلةً بنتائج العمل السَّابق والذي من البديهي أن يكون قد تمَّ إنجازه خلال العطلة الصيفية، مع تحفُّظي على هذه النُّقطة تحديداً (العطلة الصيفية) التي سأتطرَّق لها لاحقاً، والمقصود هنا هو البنية التحتية من أبنيةٍ ومقاعدَ وكلِّ عمليات الصِّيانة التي تلزم مدارسنا، غير أننا نأتي في كل عامٍ والوضع من سيِّئ لأسوأ، فغالبية الصُّفوف لا كهرباء فيها ما يعيق القيام بإعطاء الدُّروس في الفترة القادمة التي يتم فيها العمل بالتَّوقيت الشَّتوي نظراً للظُّلمة المبكرة، فضلاً عن دورات المياه ومشكلاتها سواء المتعلِّقة بالصَّرف الصِّحي أو بعدم وجود الأساسيات من صنابير مياه ومواد تنظيف وغيرها، ونصل إلى المشكلة الأكبر وهي عدم توافر الكادر التدريسي الكامل في بداية العام وهذه تستمرُّ عادةً إما لمنتصف العام أو حتى نهايته في بعض الأحيان، فغالبية مدارسنا تعاني من نقصٍ في الكوادر التدريسية ما يزيد من حالة الفوضى الحاصلة تلقائياً مع بداية العام الدراسي، والمترافقة أيضاً بنقص في الكوادر الخدمية (المستخدمين) الذين إن توافروا فعددهم في كل مدرسةٍ لا يمكن أن يغطي العمل الملقى على عاتقهم، ما يؤدِّي إلى التقصير ومن ثم الاعتماد على التلاميذ لتلافي هذا التقصير، ما يوقعنا في علاقةٍ غير صحيحةٍ مع الأهل الذين يرفضون أن يقوم أبناؤهم بأي عمل من هذه الأعمال، وبالتالي رفض التِّلميذ نفسه لتحمل مسؤولية وجوده في هذا المكان الذي يُفترض أنه بيته الثاني!!
لا تقتصر العقبات التي تواجه الكوادر الإدارية والتدريسية على ما ذُكر فقط، بل هي عديدةٌ ومتشعِّبةٌ وبالمقابل هي مترابطةٌ ببعضها البعض، غير أنَّ القرارات التي تصدر عن وزارة التربية مع بداية كل عام تبدو وكأنَّها تأتي لتضع العصيّ في العجلات، مثلاً: كلُّ دورات المناهج المفروضة على الكوادر التدريسية تُنظّم بالتزامن مع بداية العام، وكأنَّ هذا المدرس ليس من حقِّه أن ينال قسطاً من الراحة قبل أن يباشر عمله مجدداً، لاسيما أنه يقضي العطلة الصيفية التي يُتَّهم فيها اتهاماً بين أعمال الامتحانات العامة ومن ثم التَّصحيح لتأتي مباشرة بعدهما الامتحانات التكميلية والمراقبة والتصحيح مجدداً، فتكون الفترة التي من المفترض أن يقضيها مرتاحاً ليُجدّد نشاطه هي أكثر فترةٍ ضاغطةٍ عليه، ما يجعله مقبلاً على العام الدراسي بشيءٍ من الاشمئزاز والكثير من التَّعب.
من جانبٍ آخر، موضوع تغيير المناهج لبعض المواد الدَّرسيّة كلَّ عام، كمادة اللغة الفرنسية على سبيل المثال، الأمر الذي يشكل عبئاً على المدرسين المعنيين من ناحية التَّحضير والتعامل مع هذا المنهاج، ومن ثم وضع نماذج أسئلة امتحانية والخوض في متاهات كان الجميع بغنى عنها، لاسيما أن هذا التغيير إما أنه شكلي بحت أو أنه أميل لتصعيب المعلومات والتعامل مع التلميذ وكأنه أكبر عبقري في هذا المجال، متغافلين عن فكرة أننا نقدم له معلومة لا يعرفها أساساً، فهل نحن في حالة انتقام من التلميذ أو من المدرسين؟! فلماذا هذا التغيير أو التعديل كل عام؟
أما القرار الصَّادر مؤخراً باستحداث مادة التعليم الوجداني، وتخصيص حصتين درسيتين له على حساب حصص مواد أخرى فهو ما لم يمكن فهمه على أتم وجه، فمن المتعارف عليه أن القضايا الشعورية والأخلاقية والوجدانية لا يمكن أن يتم تلقينها كأي مادة درسية أخرى، إنما هي نتيجةٌ لعمليةٍ تربويةٍ صحيحة ومتكاملة ما بين البيت والمدرسة، هي إحدى أهم جوانب التربية التي لا تقاس بعدد الحصص، فما الفائدة المرجوّة منها في الوقت الذي لا يتلقى فيه الطفل التربية الحقيقية في بيته أو في مدرسته؟؟ لاسيما أن البعض من المرشدين النفسيين والتربويين والاجتماعيين يقومون بدورهم على أكمل وجه بينما غيرهم لا يعنى به أبداً، أما أن يتم إلزامهم بهذه الحصص، فهو لن يجبر من لم يكن يعمل سابقاً على العمل بعد الآن.
نأمل في كل عامٍ أن تصل أصواتنا إلى المعنيين في الوزارة وأن يؤخذ بالمقترحات التي تطرحها الكوادر الإدارية والتدريسية كونها على تماسٍّ مباشرٍ أكثر من غيرها مع العملية التدريسية والتربوية، ونجدد الأمل هذا العام أيضاً علَّنا نرتقي بواقعنا التعليمي بدلاً من أن نراه ينحدر أكثر فأكثر نحو الهاوية، فالنَّتيجة مهما كانت سنحصدها جميعنا ولن ينجوَ منها أحد.