هذا السجال.. ألا يعني شيئاً؟

كتب رئيس التحرير:

في الماضي كان يكفي ماكينات الإعلام في الداخل والخارج نشر ما تريد تكريسه في أذهان الرأي العام في الصحف، وتكرره ربما لألف مرة في أقنيتها المتلفزة والمسموعة، وتدفع بعدها ببعض المحللين لتسهيل التغلغل إلى عقول المتلقين.

ورغم الجهود التي كانت تبذل لإتقان هذه العملية، وبعض المظاهر الخادعة التي فرح بها القائمون على هذه الممارسات، أظهرت المنعطفات التي واجهت بلادنا أن عقول المواطنين السوريين لا تقبل التلقين، ولا تستسيغ فرض الأفكار، ولا يعنيها إلا أمرٌ واحد: أن يكون نبضها مسموعاً، وأن تكون همومها السياسية والاجتماعية والمعيشية في صلب اهتمام جميع أصحاب القرار.

أما في الحاضر، ومع التطور البرمجي الهائل، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تحول المتلقّون إلى محاورين مباشرين، وفقدت (الميديا) احتكارها للانتشار وامتلاك المعلومة، وفتحت أمام مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي تمثل فئات المواطنين إمكانية القياس الفوري للتقبل.. والرفض.. والتصويب.. والاعتماد على أسس صحيحة لتقدير نجاحاتها ومراجعة أخطائها.

ما عملت عليه (الميديا) في دول التحالف المعادي لسورية كان مذهلاً بتنوعه ومضمونه ومراعاته الشكلية لطرق تفكير فئات الشعب السوري على تنوعها، في الوقت الذي أدت تداعيات الأزمة والغزو الإرهابي إلى انكفاء العديد من وسائل الإعلام في البلاد، واقتصار الأمر على أقنية متلفزة ومسموعة محدودة، وبضعة صحف تعمل في أصعب الظروف.

وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لفئات واسعة من المواطنين لتلعب دورها في تفنيد الضخ الإعلامي المعادي، والتكذيب المدعم بالمشاهد المصورة لفبركات الإعلام المعادي، وإيضاح طموحات السوريين إلى سيادة بلادهم، ووحدتها، أرضاً وشعباً، وتمسكهم بتجديد واقعها السياسي ونهجها الاقتصادي، وحرصها على كرامة الوطن والمواطن، وخاضت ملايين السجالات بين من عارض، ومن ساند، ومن عتب، ومن وضع آراء، ومن قبض (المعلوم)، ومن روّج للغزو واستباحة الأرض السورية.

لقد كانت بلادنا ساحة مفتوحة، ومطرحاً لولادة مفاهيم جديدة، ومقبرة لكل ما تعفّن وفاحت رائحته النتنة، وبرهن أغلبية السوريين عن وعي تجاهلته مراكز القرار طويلاً.. طويلاً.

المطلوب اليوم هو الكفّ عن اللجوء إلى الوسائل القديمة، التي أثبتت الحياة فشلها، بل ضررها في العلاقة بين الدولة والمواطن، والتوجه إلى فئات الشعب السوري المختلفة.. المتألمة.. الصابرة.. التواقة إلى الخروج من النفق، بخطاب شفّاف وواقعي، يجسد أوضاعها السياسية والاقتصادية والمعيشية، ويبرهن بشكل علمي وواقعي أن سجالات المواطنين السوريين تجد من يسمعها، ويستفيد منها، ويعتمد عليها في سبره لاتجاهات الرأي العام، ويضع بعدئذٍ الأسس التي تجسد طموحات السوريين إلى التوافق عبر الحوار الوطني الشامل، لإنهاء أزمتهم المأسوية، ورسم ملامح مستقبلهم الديمقراطي.. العلماني.

العدد 1104 - 24/4/2024