عولمة احتكارية أم لا؟
د. أحمد ديركي:
لم يعد مصطلح العولمة يشمل البعد الاقتصادي فقط. فقد كان، فيما سبق، كلما ذكر مصطلح العولمة يكون المقصود (العولمة) الاقتصادية. وهذا صحيح في المبدأ، إلا أنه مصطلح متطور يلحق به ما يناسبه من أبعاد إضافية تساهم في تطوره.
إذا نظرنا إلى عالمنا اليوم نجد أموراً كثيرة مشتركة بين شعوب العالم، وكلها، أو معظمها بالحد الأدنى، فرضتها أبعاد العولمة اللا إقتصادية في الشكل، ولكنها في الجوهر نابعة من أبعد اقتصادية. لنأخذ بعض هذه الأمثلة للتوضيح: مسألة اللباس. لقد أصبح بنطال الجينز من ضمن اللباس الموحد في معظم أنحاء العالم، بغض النظر عن اللغة واللون والشكل والجنس والبقعة الجغرافية.. فكل هذه الأمور استطاع بنطال الجينز أن يتخطاها ليصبح (رمزاً) معولماً، رمزاً يتبع لبعض الماركات العالمية، وحتى هذه الماركات استطاعت أن تفرض وجودها في أسواق الماركات المُقلدة! أي أن ماركة بنطال الجينز أصبحت ماركة عالمية تملكها شركات عالمية تحتكر سوق المبيعات، فوجد على هامشها ماركات مزيفة للأصلية، لتستكمل احتكارها للسوق أينما وجد هذا السوق.
وما ماركة بنطال الجينز إلا تعبير عن عولمة ثقافية فرضتها السوق على عالم الموضة لتذوب في البنطال كل الاختلافات الثقافية، ولتخضع جميعها لإعادة تشكيل بما يتلاءم هذه الهيمنة الثقافية الاستهلاكية.
بالمقابل ظهر حديثاً عولمة الوباء. فالوباء سابقاً كان يمكن حصره في بقعة جغرافية محددة، وعملية انتشاره تكون ليست سريعة خارج بقعة وجوده، لأسباب متعددة ومن أبرزها مسألة سرعة التنقل من مكان إلى آخر. فالسفر قديماً كان يستغرق أسابيع وأشهراً، إن لم يكن أكثر، للانتقال من مكان إلى آخر تبعاً لمدى البعد الجغرافي بين المنطقتين، وحالياً سرعة التنقل ألغت، تقريباً، كل الحواجز المتعلقة بالمسافة بين نقطتين وأصبح باستطاعة الناس الانتقال من بقعة جغرافية إلى اخرى خلال ساعات معدودة مهما بلغت المسافة بين هاتين البقعتين الجغرافيتين. أي إن كنت مصاباً بمرض معْدٍ، خطير أم لا، يمكن أن تنقل مرضك من قارة إلى أخرى خلال ساعات.
كان هذا مثل الخيال العلمي، ولكنه حالياً أمر واقع. لقد اجتاح فيروس (كوفيد 19) العالم خلال أسابيع قليلة مهدداً كل دول العالم من دون الاعتراف بأي حدود جيو-سياسية. وبهذا فهو وباء (معولم) كبقية الأمور المعولمة.
إلا أنه كما يبدو هناك احتكارية في العولمة، فالوباء وبنطال الجينز وغيرها أمور غير محتكرة عولمياً ولكنها في الوقت عينه محتكرة لأن رأسمالها يعود إلى الشركات الكبرى المتعدية الجنسيات، وعلاج الوباء كذلك! أي الرأسمال متمركز ومحتكر عالمياً، وكذلك العلوم والتكنولوجيا. أما الاستهلاك فهو متاح للجميع (معولم) لمن يستطيع أن يستهلك!
فهل نحن في عصر العولمة أم الاحتكارية المعولمة؟