ما بين الصدمة الاقتصادية والنحت الاقتصادي!
الدكتور سنان علي ديب:
في الأسبوع الماضي، اعترف وزير المالية أمام مجلس الشعب بأن هناك أخطاء في تطبيق البيوع العقارية، وأنه كان هناك تسرع أو إهمال بقانون نكول البيع، وهذا الاعتراف بالخطأ شيء جميل وجديد رغم خطورة القرارات وانعكاساتها الكبيرة. وقبل ذلك اعترف الوزير نفسه بحجم التهرب الضريبي، وأن أغلب موظفي الوزارة مشاركون فيه. وقبل الأزمة قدِّر حجم الفاقد بين الفساد والتهرّب الضريبي بنحو ٣٠ بالمئة من الموازنة وقدّر بـ ١٠٠٠ مليار ليرة. وهذا كذلك اعتراف جميل وشفاف إن أُتبع بسلوكيات وقرارات وتعيينات قادرة على الإحاطة بهذا النوع من الفساد، وهو ما جعل الوزارة تحاول محاصرة كل أنواع التهرب، ومنها العقارات وضرائبها التي كان يجري تحايل كبير فيها، وكذلك الإيجارات. وينطبق ذلك على محاولات الجمارك مصادرة البضائع المهربة وملاحقة البضائع الهاربة من الجمركة الحقيقية، وهذا سلوك طبيعي يعيد للمؤسسات دورها وهيبتها، رغم محاولة البعض التجييش الإعلامي ومحاولة بث الإشاعات الداعية لإغلاق المنشآت وإيقاف الأعمال في نوع من ليّ ذراع الحكومة، وهذا مرفوض في كل الظروف وعجزوا عنه في الظروف الصعبة، فكيف بعد أن استعادت الدولة روحيتها وأعادت للمؤسسات هيبتها.
ولكن هناك كثير من المراسيم التي أصدرت في توقيت سليم ولغايات وطنية، ولكنها قوِّضت عبر منظومات تحاول النيل من قوة الدولة وتماسكها وإضعاف دور الحكومة، وكلنا تابع المراسيم المتعلقة بالعملة الصعبة والليرة والمراسيم المتعلقة بالأسعار وضبطها ومراقبتها، وكيفية الالتفاف وعدم التطبيق، وصارت الوزارة المختصة تسير في طريق مخالف لما سنّت له المراسيم في منع الاحتكار والتدخل الإيجابي ومنع الغش واللعب بجودة المواد وبث روح المنافسة.
ولكنْ عبثاً، وكل ما سبق ومئات القرارات والقوانين فيما يتعلق بسعر الصرف ورفع أسعار المواد وتوقيت نشر البضائع بالسوق وبيعها كلّها اتخذت بأسلوب الصدمة، والغاية منها تمريرها من دون الإحاطة والاهتمام بنتائجها رغم كارثية العواقب، وتزامن ذلك مع الحصار الخانق والقاتل وكل أشكال الإرهاب التي حوصرنا بها، ووسط محاولة التأثير على الطلب عبر تحديده عبر البطاقة الذكية التي غدت ضرورة، ورغم صعوبة المعاناة والزمن الذي يستغرقه بعض المواد، ولكنها كانت طريق لتحقيق عدالة شبه تامة بين فئات الشعب وتخفيف الازدحامات والمعاناة، وتبلورت بعد قرارات وحقل تجريب لاتخاذ الإجراءات والقرارات في الوقت المناسب. وانتقلت المعاناة في اتجاهات أخرى، منها عدم وجود ثقافة أزمة، ومنها فساد مستمر، ومنها أسباب مجهولة، وهو ما وجدناه في الكهرباء، والفوضى وبركان الأسعار، وبانتظار الفرج ولنكون ضمن قراءات واحتمالات وتنبؤات وتأملات، فيتفق الجميع على أن ما وجدناه من قبل الأزمة إلى اليوم هو السير بطريق واحد التف من اقتصاد السوق الاجتماعي إلى دروب بعضها اختياري، وبعضها فرض عبر الحصار والخنق والتدمير والنهب والسرقة، وكله لتهشيم البنى وتقويض فاعلية المنظمات والأحزاب للسير بطريق اختارته الإمبريالية المنتصرة، وفرضته عبر المؤسسات الدولية وأُجراء وأدوات، لتكون العلنية في مواجهة من يخالفها من يوغسلافيا والعراق وغيرها، وكل ذلك بعد إعادة البناء او ما سمي البروسترويكا الروسية، التي كانت كما يتضح لنا خياراً لبعض الرموز للقضاء على تجربة الاتحاد السوفييتي، ومنع أي فكر يعارض طريق رأس المال المنتصر، وما يهمنا هنا هو أن أسلوب الإدارة الروسية الذي هو رأسمالي غايته الربح أصبح هو النهج العلني وولى زمن الدولة الناشرة للفكر الشيوعي الإنساني، والداعية للأممية بالعدالة الاجتماعية، وهو ما ينساه الأغلبية في محاكاة الأمور.
ما يهمنا مهما كانت الأسباب لتمرير قرارات وقوانين عبر أساليب مختلفة نجم عنها انعكاسات اجتماعية خطيرة جداً، قلبت النفوس وقللت الأمل، فهل ستكون الخاتمة مع الفريق الاقتصادي المتبني ليكون دور الفريق القادم في حكومة ما بعد القسم هو النحت الاقتصادي في التربة الناجمة عن فيضان القرارات، والوصول إلى نهج يؤمّن للمواطن وللوطن العدالة الاجتماعية والأساسيات التي حرمتنا منها الصدمات، وليكون هذا النحت جسر عودة الأمل والثقة وجدار مواجهة الحصار والخنق اللذين هما في طور الإزالة حسب المسارات الإقليمية والدولية؟
هل ستعود للقطاعات الإنتاجية حيويتها ومفاعيلها التي قوضت في زمن الصدمات بأساليب مختلفة؟
هل ستعود الرفاهية والأمل للشباب الجديد؟
هل سنحترم الدماء الطاهرة والشهداء والجرحى عبر الانتصار لسوريتنا ولأهلنا؟ وهل سنفرض الحل السياسي السوري الوطني؟
هل ستعود للمؤسسات قوتها وحيويتها لضبط المنظومات والتشكيلات غير المنضبطة؟
بانتظار النحت الاقتصادي وبانتظار حكومة وطنية إصلاحية يتصدّرها مهرة من النحاتين..
كل أدوات العودة التنموية وموادها وآلياتها متوفرة، ولكن متى تتوفر النية والإرادة؟