سرطنة العالم

د. سنان علي ديب:

لم يكن وباء كورونا والضخ الإعلامي الإرهابي والتحكم بأدوات العلاج وتوقيته هو الوباء الأول المشكوك بنشأته وعولمته، فقد سبقه كثير من الأوبئة التي راح ضحيتها ملايين البشر، ونتائجها لا تخرج عما أراد به الغرب المستعمر والقائم على النهب والسلب والإرهاب من تقليل عدد سكان العالم، لأن رؤيتهم تنطلق من أن السكان يتزايدون وفق متوالية هندسية، ويتزايد الغذاء والموارد وفق متوالية حسابية، فيجب ضبط عدد السكان حتى لا تنتقل انعكاسات المجاعات إليهم، وتعددت وسائلهم إضافة إلى الحروب والقتل واستخدام الأسلحة الفتاكة وانتهاك كل حقوق الإنسان وشرعية الدول، وكله تحت عولمة الوباء والقتل والتفقير والتصحير واستلاب البلدان الاخرى وابتزازها والهيمنة على العالم، ويتضح كله تحت عنوان أمركة العالم بعد صراع الحضارات وقتل جذور العريق منها نصل إلى نهاية التاريخ بعولمة أمريكية الصبغة. وكيف لا وكل برامجها وخياراتها اتجهت نحو محو الهويات الوطنية وطمس الحضارات وبث الفوضى وفق مقولتهم من الفوضى ينبثق النظام، فكانت ما سمي عولمتهم وما رافقها من بث إعلامي تشويهي وأدوات تابعة مبرمجة للتهليل لها ولتكون خناجر في أجساد أوطانها بحجج واهية وهي حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والقانون الدولي، فجاءت سيرورتها أكبر قاتل للإنسان وسالب لحقوقه وفارض القوة والظلم على الكون وسالب لإرادات الشعوب، والغاية النهائية نقل الفوضى للآخرين وإضعافهم واستمرار سلبهم الاقتصادي ونهبهم والتحكم بالاقتصاد العالمي عبر عرقلة نمو وتنمية الآخرين في دول المحيط، وعبر تدمير من تجاوز حدوداً معينة للتنمية، وعبر التحكم بخطوط نقل الطاقة بعد السيطرة على منابعها والتحكم بسوقها ليتحول الكل عبيداً عند من ارتأى نهجه نهاية للتاريخ.

فطمست الحضارات والهويات وحرفت الأديان السماوية وعمت الفوضى وغرق القانون الدولي في وحول انحطاطهم الأخلاقي والقيمي، فهم يسيطر عليهم قانونهم الوضعي الذي جعلهم عبيداً له بعيداً عن الانضباط الاخلاقي والقيمي ليصدروا هذه الوساخات للبلدان الأخرى، ويسعون لمحو تاريخها وحرق جذورها، ولم يستثنوا أحداً حتى بلاد ثورات العدالة وحقوق الإنسان أصبحت أوراقاً قد تصفر وتتطاير مع أي ريح مع أنها كانت منبراً لتسويق عولمتهم وبرمجة أدواتهم لتكون هويتهم الأكثر تأثراً.

أي عولمة إنسانية تحمل في باطنها قتل الأخلاق والقيم وتسعى لتنميط الإنسان وسلب إنسانيته وتعويم غرائزية بلا كوابح وتقتل الروح الجماعية وتقتل الإيديولوجيات وتشوه العقائد وتشوه الأحزاب وتدمر كل بلد يحاول أن يحافظ على خصوصيته، وأمام فرعنتهم لم يجدوا من يواجههم، ولتكون هذه السرطنة متزامنة مع فرض أجندات اقتصادية سالبة للإرادات ومعرقلة للنمو وقاطعة لأي استقلالية وهدامة لكل البنى والأفكار التي بنت البلدان والإنسان تحت مسمى الحرية والليبرالية وتحت مرأى واستسلام الجميع والركض وراء مؤسسات التدمير وبرامجها من بنك دولي وصندوق نقد ومنظمات مجتمع مدني وغيرها، وتحت تهليل أدوات تابعة لهم نشأت من سوداوية أموالهم وأفكارهم غير منتمية لأي كان وفاقدة لمعنى الوطنية غرائزية أوجدها المسرطن الأكبر عبر توصيات وسياسات وتبعيات لتكون عائقاً في وجه أي مقاومة ومواجهة للمسرطن القاتل الفتاك وجسراً لفرض السياسات والبرامج الممهدة للقتل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الساعي لهم.

أي ليبرالية اقتصادية من دون مؤسسات سياسية وأي ليبرالية سياسية من دون بنى جاهزة ناضجة ودرجة من التطور الاجتماعي والاقتصادي وأي نهج اقتصادي مرحب به دمر وعرقل وسرطن وهدم وقوض النمو وحرق الأخضر واليابس وأي عناد بتمريره وأي احترام لأدوات سارت وما تزال تسيره ليكون ضبابي المسار وقاتماً للأمل ومحبطاً لأي جهود.

سعوا لسرطنة العالم ليكونوا هم ونهجهم نهاية للتاريخ وعبروا نحو مسعاهم بقتل الأخلاق وتشويه القيم ولم يتحلوا بقوة الحجج وفاعليتها وإنما بصمت الآخرين وبالإرهاب اللعين.

العالم أمام تحديات كبيرة، فاندثار المنظومة القيمية والأخلاقية وتآكل القوانين الدولية تمهد لجعل العولمة تحول الكون لغابة لا حياة بها إلا للضباع والذئاب، فهل تناضل الدول لاسترجاع هويتها وتحمي خصوصيتها؟

أم تقبل أن تكون حملاً وديعاً بانتظار رومنسي ليلتهمه الذئب المسعور؟!

 

العدد 1104 - 24/4/2024