تحية لمن يبدّد الظلام!

طلال الإمام_ ستوكهولم:

لم أكن قد تجاوزت الثامنة من عمري، عندما سمعت لأول مرة خلال زياراتي لبيت جدّي في حي الأكراد بدمشق، بصحيفة اسمها (النور). كان خالي أحد مشتركيها، وعلمت منه فيما بعد أن هناك متطوعين يقومون بتوزيعها على البيوت إضافة إلى بيعها في المكتبات العامة. سألت خالي عن الجريدة فتحدث طويلاً، لكني لم أستوعب من حديثه سوى أنها جريدة تدافع عن الفقراء. علمت منه فيما بعد أن عدد المشتركين في الجريدة في حي ركن الدين والشيخ محي الدين فقط تجاوز 500 مشترك، وهناك ربما مثله في القصاع وبقية أحياء الشام، كما كانت توزع في جميع المدن السورية.

تأسست صحيفة (النور) عام 1955 وبقيت صحيفة علنية حتى عام 1959 عندما جرى إغلاقها، في فترة الوحدة السورية المصرية.

توقفت (النور) عن الصدور حتى أعيد إصدارها بشكل علني في 13 أيار (مايو) عام 2001 ومازالت تصدر حتى الآن.

مسيرة (النور) رافقت مسيرة الوطن.. حاولت أن تعبر عن آلامه وآماله، ساهم في الجريدة إشرافاً وكتابة مناضلون سياسيون، مثقفون، نقابيون ونشطاء في الحركة النسوية والشبابية.

جاء في العدد الأول من (النور) بعد إعادة صدورها منذ عشرين عاماً: (إننا نفتح صدر صحيفتنا لممثلي الثقافة الوطنية والفكر التقدمي باتجاهاته المختلفة، الماركسية والقومية، وكذلك للفكر الديني المستنير، الذي يرفض الظلامية.

تسعى صحيفة (النور) جاهدة لتكون صورة حية عن تلاوين الطيف الوطني في المجتمع، فالمجتمع، أي مجتمع، لم يكن يوماً، ولا يمكن أن يكون لوناً واحداً، بل ألوان تشكل قوس قزح واحداً، تصبّ كلها في بؤرة واحدة هي بؤرة الوطن. ومن هذا المنطلق نحاول أن تكون (النور) فسحة للرأي والراي الآخر والحوار المسؤول.

(النور) هي صوت المستضعفين المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية، صوت العامل والفلاح والمثقف والمبدع ورجل العلم. إنها صوت المدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة، ولرفع كل أشكال الحيف عنها، وصوت الشباب المطالب بظروف أفضل من أجل دور أكبر).

طبعاً واجهت الصحيفة وتواجه مصاعب جمة وعراقيل كثيرة وتمييزاً من ناحية التمويل أو التوزيع، لكنها تحاول أن تتابع مسيرتها لتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها، وهي الدفاع عن الوطن وحق المواطن في حياة كريمة.

في الذكرى العشرين لإعادة إصدار (النور) لا بد من توجيه التحية لجهود الجنود المجهولين، الشباب والصبايا الذين يعملون بهمة وصمت وسط صعوبات كثيرة، كي تستمر الصحيفة في أداء المهام التي أعلنتها، وألف تحية لمن يتبرع ويزودها بمقالات وأخبار.

في الذكرى العشرين قد يمكن القول إن الجريدة لم تصل إلى مستوى طموح بعض القراء، أو إنها لا تواكب التطورات التقنية لوسائل الإعلام المعاصرة، أو إنها لا تغطي مختلف المجالات في الوطن بشكل كافٍ، وغير ذلك، لكنها وبكل تأكيد تتابع دورها كصوت للعاملين بسواعدهم وأدمغتهم وفق إمكانياتها، كصوت عقلاني في وجه مختلف أفكار التعصب الديني/ الطائفي أو الإثني من أجل سورية حرة، موحدة علمانية، خالية من الإرهاب والفساد، سورية تليق بالسوريين وتضحيات جيشها ووطنييها.

نتمنى التطور والازدهار للنور في يوبيلها كي تؤدي دورها الوطني والأممي إلى جانب وسائل الإعلام الشيوعية واليسارية   الأخرى.

 

العدد 1104 - 24/4/2024