(النور).. تجربة في الثقافة والفكر التقدميين

يونس صالح:

تحتفل صحيفة (النور) في الـ13 من أيار هذا العام، بمرور عقدين على صدورها من جديد.. إنه العيد العشرون لميلادها الثاني، بعد أن أوقفت عن الصدور أربعة عقود منذ أواخر عام 1958، وكانت آنذاك هي وصحيفة (الرأي العام) الأكثر تأثيراً وانتشاراً في البلاد. ولقد كانت طوال هذين العقدين الماضيين خادمة مخلصة للثقافة والفكر التقدميين، وقد حملت الزاد الموجه نحو ثقافة بعيدة كل البعد عن الدوافع الذاتية، تقدم ما هو مفيد وجديد للقارئ، متوخية في ذلك ضمير كتابها ونبل الدافع في إصدارها.

إن الصحف حين تحتفل بذكرى أو تاريخ، فهي تحتفل بإنجاز يجب أن يكون متحققاً، فهي من بين البضائع القليلة التي لا يمكن الكذب حولها أو التمويه فيها، لأن صفحات المطبوعة ببساطة معروضة للجميع، جيل الأمس وجيل اليوم وجيل الغد الذي سيأتي، والمقارنة واردة دوماً، لأنها صفحات مفتوحة للمواطن والقارئ على السواء ليقارن بينها وبين مثيلاتها، وليستطيع أن يميز الغث من الثمين، ولكن صعوبة قياس الإنجاز هذا هو أن الصحيفة حين تحتفل بفكرة أو تاريخ لا تركز على ما قامت به أو ما لم تقم به من أعمال، لأن نتاج الثقافة والفكر هو نتاج لا يحسب بالأرقام، أي أنهما نتاج تراكمي، لا يتذكر الواحد منا متى أضيفت إلى معارفه تلك الفكرة الجديدة أو هذه، وتلك المعلومة أو هذه.

إلا أننا نستطيع القول إن عشرين عاماً من العمل الدؤوب وانتقاء المواضيع والتخطيط لطلب نوع من الكتابات أو إشباع فكرة من الأفكار، أو قضية من القضايا تهم القارئ بالدرجة الأولى، كانت تهدف إلى إثارة ذهن القارئ، وحشده برؤى التنوير وتقديم الأفضل له، في وقت تتنافس فيه كلّ مطبوعة في مواجهة جيش جرار من المسموع والمرئي بكل اللغات والأشكال، ومع ذلك وبعد عشرين عاماً ورغم الإمكانيات المتواضعة جداً، لم تكتفِ بالصمود فقط، ولكنها واصلت الاحتفاظ بمكانتها في قلوب الأجيال القديمة من قرائها، واحتلت مكانة جديدة في قلوب قرائها الجدد..

لقد قدمت (النور) في مسيرتها خلال الـ 20 عاماً الماضية نظرة موضوعية إلى الأمام، وعالجت الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والوطنية والفكرية والثقافية، التي لامست وتلامس الواقع المعيش، وكان موقفها حكيماً في الأزمة السورية، وحذرت من التشرذم القائم، ودعت إلى تلاحم الشعب السوري والحفاظ على الدولة السورية، ووقفت بحزم ضد جميع التدخلات الأجنبية، وكانت منبراً للحوار والرأي والرأي الآخر، وأظهرت للشعب الكثير من المثالب في الممارسات المختلفة، تلميحاً تارة وتصريحاً تارة أخرى، وكانت دون شك صادقة مع نفسها ومع قارئها ومع المواطنين.

ما أريد أن أؤكده في حديثي عن تجربة (النور)، أنها قدمت شهادتها على مدى عشرين عاماً ونيف من متابعتها للفكر والثقافة عندنا، ورغبتهما في الانعتاق من أسر الماضي نحو أفق التحرر.. بيد أن القضايا التي مازلنا نواجهها جديرة بأن ننظر إليها نظرة صادقة موضوعية، لأن هذا هو السبيل الوحيد لأن نجد لأنفسنا مكاناً في التاريخ المعاصر.

 

العدد 1104 - 24/4/2024