هل تبادر وزارة الأوقاف؟
محمد علي شعبان:
يراودني هذا السؤال، ويراود كثيرين من أبناء وطني: هل تبادر وزارة الأوقاف بإنشاء عدد من المزارع لتربية المواشي لدعم الاقتصاد الوطني، بمناسبة شهر الصيام، وتقدمها للوزارة المختصة فتشكل رديفاً إضافياً لمحطات الأبقار الموجودة؟!
بعد غياب الفرح في مجتمعاتنا وإحلال الحزن مكانه، نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، والحصار الجائر الذي فرضته الإدارة الأمريكية وحلفاؤها من أجانب وعرب، وخيبة أمل المجتمع السوري من بعض النخب الثقافية والسياسية، وظهور هشاشة وانزياحات وطنية هنا وهناك، ازدادت نسبة الكآبة والعصبية عند الأمهات والآباء، وتحول الأطفال إلى ضحايا، وماتت أحلام الشباب، وأصيب الوالدان بالعجز والإحباط، وخاصة من يعملون في قطاعات الإنتاج، والخدمات، إذ توقفت أعمالهم نهائياً، وباتوا ينتظرون المساعدات للعيش، بعد أن تحولوا إلى فقراء ومحتاجين. وعوضاً عن قيام مؤسسات الدولة، والمؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية بمشاريع اقتصادية تحتضن هؤلاء الشباب وتؤمن لهم حاجاتهم الشخصية، وتؤمن الدعم المادي لمن يريد استكمال تعليمه.. وتؤهل من تبقى منهم للانخراط في سوق العمل، تخلت عنهم وتحول أغلبهم إلى مرتزقة من نوع خاص.
بعضهم قطع البحار للجهاد لصالح أمراء الحروب والمنظمات الجهادية، وبعضهم تحول إلى لصوص وقطاع طرق، بسبب البطالة والفقر الذي حل بهم. واكتفت الدولة والجمعيات الخيرية بتقديم مساعدات غذائية، آنيّة، قد تضر أكثر مما تنفع.
إن الحصص الغذائية التي تقدم بين الحين والآخر، رغم عدم العدالة في توزيعها، تكرس الاتكالية والخنوع، وتزيد من البطالة وخاصة عند جيل الشباب.
وإن المبالغ التي وزعت وتوزع كمعونات غذائية خلال العشر سنوات التي مضت كان بإمكان الدولة تقديمها كمساعدات عينية من أغنام وأبقار وماعز، وتشجع تربيتها، فتعيد الثروة الحيوانية كما كانت قبل الأزمة في سورية، خاصة أن جزءاً كبيراً من المعونات تباع في الأسواق، من قبل الحاصلين عليها، أو من قبل تجار مختصين ببيع المعونات.
ولا يوجد عقبة أمام بيعها في مؤسسات الدولة المتنوعة، ما دام من حصل عليها، ويبيعها ليس بحاجتها، وخاصة إذا تم تحويل ثمنها إلى ثروة حيوانية تعطى لمستحقيها والراغبين في تربيتها.
ليس منطقياً ولا مقبولاً أن يصبح حلم المواطن السوري الحصول على كيلو غرام لبن بالأسبوع، رغم المساحات الواسعة التي تتسع لآلاف القطعان من المواشي.
وأعتقد أن دخول الأغنام والأبقار من دول الجوار غير خاضع لنظام المقاطعة، ولا تستطيع دول المقاطعة منع المواطنين السوريين من تربية المواشي، والحصول عليها من دول الجوار إذا اقتضت الضرورة، بوسائل مختلفة.
وما دام تجار الأزمات يهرّبون المواشي إلى خارج الحدود، فإنهم بالتأكيد يستطيعون إدخالها من خارج الحدود أيضاً.
في الأزمات الكبرى تسارع الدول لتأمين مخزون احتياطي من المواد الغذائية، عبر وسائل متعددة. وتمنع التصدير، لتضمن صمودها فيما لو تعرضت لحصار.
صحيح أن مقدرات سورية من الثروة الحيوانية قد سرقها الداعمون للجبهة الفاشية الأصولية، وعملاؤهم في الداخل السوري، لكن يجب عدم الرضوخ للحالة الراهنة التي تزداد فيها الحاجة إلى مشتقات الحليب، والاستعاضة عنه بحليب مجفف بأسعار خيالية، وخاصة حليب الأطفال. وجميعكم يعلم أن حليب الأبقار والماعز يلغي الحاجة للحليب المجفف الذي أصبح قطعة نادرة، يتحكم فيه الصيادلة وتجار الأزمات، ويزيدون الآباء والأمهات إذلالاً، من أجل الحصول على علبة الحليب.
إن ملكية وزارة الأوقاف من الأراضي الزراعية الخصبة والصالحة لتربية الأبقار والدواجن في جميع المحافظات السورية تتسع لآلاف المزارع القادرة على تقديم مشتقات الحليب واللحوم، ليس لسورية وحسب، بل قادرة على تغطية حاجات الوطن العربي، من اللحوم ومشتقات الحليب.
إضافة الى أراضي أملاك الدولة الصالحة للزراعة، ولتربية المواشي، في جميع المناطق السورية.
وأغلبكم يعرف أن مساحة هولندا ليست أكبر من مساحة محافظة حماه، وتعرفون أيضاً، على ماذا تعتمد هولندا في اقتصادها.
ولا تقتصر ملكية وزارة الأوقاف على الأراضي الزراعية والعقارات السكنية.
إذ لديها من الأموال ما يمكنها من إقامة مئات المشاريع الزراعية الخاصة بتربية المواشي والدواجن، وتشغيل ملايين العمال فيها، وتستطيع تأمين كل ما يلزم من احتياجات لضمان الأمن الغذائي في سورية وبعض الدول العربية.
فلماذا ينحصر نشاط وزارة الأوقاف، في بناء وترميم المساجد، وصرف ملايين الليرات على الزخرفة، ولا تهتم بحياة الناس الفقراء، الذين هُجّروا وشرّدوا.
وماذا يقدم خريجو المدارس والمعاهد الشرعية للاقتصاد الوطني، رغم الامتيازات الخاصة التي يتمتعون بها؟!
إن (الريشة الزائدة) على رؤوس طلاب الثانويات والمعاهد الشرعية، وطلاب كلية الشريعة، تجعل وزارة الأوقاف وكلّاً من وزارتَي التربية والتعليم في موضع تساؤل، وعليها أن توضح للمجتمع السوري أسباب هذا التمييز بينهم وبين باقي الطلاب في الجامعات، والمعاهد الأخرى، ومبرراته.
وبناء على ما تقدم يرى العديد من أبناء الوطن، وأنا معهم، أن المعونات المقدمة من حيث جاءت، تحمل آثاراً سلبية، ما دام العديد من الفقراء لم يستفيدوا منها، وذلك يؤدي للامتعاض، وردة فعل سلبية، ويعلّم البعض الاتكالية والكسل ويقتل روح التمرد والإبداع.
إن إيجاد فرص عمل حقيقية يساهم في تقليل نسبة البطالة، والاعتماد على الذات، من أجل عودة الثقة بالنفس عند من تزعزعت ثقتهم بأنفسهم.
كل ذلك يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي لفترة لا تتجاوز السنة، حتى تبدأ المزارع في الإنتاج.
فهل تتحمل الحكومة مسؤولياتها بإعطاء الدعم الكافي لتشجيع قطاع الزراعة وملحقاته من صناعات زراعية، وأعلاف…الخ، وتعطي اهتماماً خاصاً لإعادة إحياء الثروة الحيوانية.
إن هذين القطاعين يشكلان الأمن الغذائي لسورية ويجعلانها قادرة على المواجهة والصمود، دون الحاجة إلى أحد.
إن إدارة الموارد بالطريقة التي تتبعها حكومتنا اليوم، وانتظار معونات من هنا، وسلة غذائية من هناك، يقودنا إلى مزيد من الإفلاس، ومزيد من الضعف، ومزيد من التبعية وصولاً إلى الاستنجاد بصندوق النقد الدولي، وتتحول سورية لتصبح تحت رحمته، ومعظمكم يعرف ماذا يعني أن نكون تحت رحمة صندوق النقد الدولي!
سورية تنتج ما يكفيها ويلبي جميع حاجات مواطنيها، والأمر يحتاج إلى رجال دولة حقيقيين، يعملون لصالح المصلحة العامة، يهتمون بالزراعة والصناعات الزراعية المتوفرة في بلداننا، ويهتمون بالثروة الحيوانية، إضافة الى المداجن.
لن نحتاج إلى استيراد أي مادة من المواد الغذائية، سورية غنية بمواردها الطبيعية قبل وجود النفط والغاز فيها، لكنها تحتاج إلى وطنيين شرفاء يديرون مواردها الطبيعية، بغية الوصول إلى دولة مركزية قوية تشعر المواطن بقوّته وبحمايته وبكرامته.