ضرورة المؤسسات الداعمة للصناعة

فؤاد اللحام:

لم تنحصر الآثار السلبية للأزمة على الصناعة السورية بتدمير المنشآت وتخريبها وحسب، بل شملت، كما بات واضحاً، جوانب عديدة أخرى في مقدمتها خسارة الخبرات والكفاءات الفنية والتسويقية والإنتاجية والتنظيمية وغيرها. التي كانت موجودة لديها وصعوبة توفيرها في المرحلة الراهنة، وإذا كان هذا النقص في الكفاءات موجوداً بهذا الشكل أو ذاك لدى الغالبية العظمى من المنشآت الصناعية سواء الخاصة أو العامة قبل نشوب الأزمة، فإنه يمكننا أن نقف على حجم هذا النقص اليوم ومدى ضرورة وأهمية العمل على معالجته.

من المعروف أن عملية إعادة تأهيل المنشآت الصناعية المتضررة لا يمكن أن تتحقق بنجاح إذا اقتصرت على تأمين الأبنية والآلات والتجهيزات المدمرة فقط. بل لابد من إعادة تأهيل الكفاءات القليلة المتبقية وتعويض ما خسرنا منها، إضافة إلى توفير الكفاءات في الاختصاصات الجديدة اللازمة التي تتطلبها عملية إعادة البناء وتحديث الصناعة السورية وتطويرها خلال المرحلة القادمة.

إضافة إلى ذلك فإن تنفيذ السياسات والإجراءات الحكومية على المستوى الكلي، التي تهدف إلى تطوير الصناعة السورية وتحديثها لا يمكن إنجازه وتحقيق الأهداف المرجوة منه بمجرد إصدارها أو إعلانها. بل لابد من جهات مختصة تعمل على نقل هذه التوجهات عملياً إلى أرض الواقع وبأفضل الأساليب.

تشمل المؤسسات الداعمة المراكز الفنية المتخصصة (نسيجية، غذائية، كيميائية، هندسية) وهي مراكز غير موجودة حتى الآن في سورية، ويجب العمل على إحداثها في أقرب وقت ممكن. تتولى هذه المراكز توفير خدمات المخابر المعتمدة والمعلومات الصناعية والتسويقية والتدريبية والدراسات والاستشارات المختصة في كل قطاع صناعي حسب اختصاصها وبما يتناسب مع خصوصية كل قطاع. وتعمل هذه المراكز، بشكل مستقل وبالمشاركة مع القطاع الخاص، على التشبيك مع الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي من خلال لجان وهيئات مشتركة لبرمجة وتنفيذ التعاون المشترك فيما بين هذه الجهات.

إضافة إلى إحداث المراكز الفنية المتخصصة التي سبق ذكرها، فإن المطلوب أيضاً تفعيل دور المؤسسات الداعمة القائمة حالياً والتي تقوم بتقديم عدد من الخدمات للمنشآت الصناعية العامة والخاصة، مثل مركز تطوير الإدارة والإنتاجية وهيئة المواصفات والمقاييس، ومركز الاختبارات والأبحاث الصناعية، ومراكز التدريب المهني، وغيرها.. وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لها، وتحديث الأنظمة الادارية والمالية والفنية التي تعمل بموجبها حالياً نظراً لكون جميع هذه الجهات هي جهات عامة تعمل وفق الأنظمة الحكومية، وتفتقر إلى الامكانيات الفنية والمادية والإدارات المخولة والفعالة، إضافة إلى ضرورة إحداث مركز مراقبة المستوردات والصادرات، وإحداث الهيئة الموحدة للتعليم والتدريب المهني لتتولى عملية تطوير وتشغيل كل مراكز ومعاهد التدريب والتعليم المهني بشكل عصري متقدم وبشكل يلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية للصناعة السورية. وإدارة هذه الهيئة والمراكز التابعة لها بالمشاركة مع القطاع الخاص والجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية الأخرى.

وإضافة إلى ما تقدم فإن المطلوب دعم وتطوير الخبرات الاستشارية الوطنية: لتمكينها من القيام بالدور المطلوب منها في مرحلة إعادة الإعمار، لأنه لا يمكن الاعتماد على الخبرات الأجنبية وحدها في أداء هذا الدور. لذا فإنه من الضروري العمل المبكر والجاد من أجل توفير الخبرات الوطنية والاستفادة مما هو موجود منها في كل المجالات، وخصوصاً في مجال التحديث والتطوير الصناعي. وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية. وهذا يتطلب تنظيم مهنة الاستشارات بكل مجالاتها، من خلال دعم وتطوير الجمعيات والمكاتب الموجودة والمعتمدة، وتشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر.

العدد 1102 - 03/4/2024