أبغض الحلال، أم حرية شخصيّة؟!

غزل حسين المصطفى:

(الحرب السُّوريّة)
تركيبٌ لغويٌّ كفيل بنسف كلّ مُسلّمات المعقول والمنطق، ينقلنا إلى مرحلة من التّفكير في ذكرياته ونتائجه حتّى نصل إلى اللا عودة.
وقد صفعتني روحي حين أطلقتُ وبكلِّ سذاجة على (الحرب السّوريّة) مصطلح تركيب لغويّ، وبّختني مشاعري بعنف، ألم تُسعفك لُغتك وحروفك بشيءٍ يستطيع حمل ثقل هذه الحروف وألمها؟!
ما تُطلقين عليها مُسمى (تركيب لغوي) ما تجرّأت اللّغات على الاقتراب منها وصوغ حكايتها.
حربٌ غيّرت معها كلّ شيء، إذ لم يقتصر الدمار (الشامل) فيها على المؤسسات والبُنى التحتية أو الفوقيّة، إنما هدمت أيضاً المؤسسات الاجتماعيّة والبُنية الروحية للفرد وما يتبعها من روابط أُسريّة.
حربٌ لم يبقَ بعدها الحب حُباً، ولا الوطن أرضاً.
حربٌ لم يبقَ بعدها الأب أباً، ولا الأمّ قدّيسةً.
حربٌ لم يبقَ بعدها الزواج مؤسسةً، ولا الطفل هبةً ربانيّة تُحفظ وتُصان.
حربٌ أصبحنا من بعدها شتات شعبٍ يغامر في بقاع الأرض بحثاً عن فرصة حياة.
حربٌ نخرت في الهيكل العظمي للأسرة وفتّتته، فتغيّر عندنا التفكّك الأسري، وأصبح مكانياً وسياسياً، كلٌّ في مكان وكلٌّ على موقفه.
إضافة إلى ما فرضته الأنماط الحياتيّة الجديدة، لا سيما للأُسر المهاجرة، من تغيّرات في أدوار الأفراد ضمن الأسرة الواحدة أدّت إلى تغيّر واضح في تركيب النسيج الأسري السوري.
وفي هذا السّياق لا بدّ أن نشير إلى ما نشهده من ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير وملحوظ في تعداد الأسر السوريّة داخل الوطن أو خارجه.
والفكرة لا تكمن فقط في ارتفاع النسب، بل في تبدّل الأسباب الدافعة، وما نشهده من تغيّر في موقف المرأة من ذلك تبعاً لما ذكرناه أنفاً حول تغيّر الأدوار، إذ تحوّلت بعض النساء إلى ربِّ أسرة مُعيل، تتكفّل بكل جوانب الحياة العاطفية والاقتصادية للأبناء تبعاً للظرف الاقتصادي، فكان الاستقلال الاقتصادي وضمان الحقوق دافعاً من دوافع السعي وراء (الطلاق) ضمن العوائل المهاجرة.
وتبعاً لإحدى الدراسات فإن (من الأسباب المباشرة لطلاق اللاجئين السوريين في هولندا ضرب الزوج للزوجة أو الأطفال، عدم القدرة على تفهّم الحرية في الخروج والدخول والحجاب، الصدمة النفسية وانعدام التوازن النفسي لدى أحد الزوجين، عدم القدرة على إيجاد صيغة لتقاسم المساعدة المالية، الخلافات حول تربية الأطفال، الخيانات الحالية أو القديمة، شرب الحشيش والكحول، الخلافات حول عمل المرأة خارج المنزل، رغبة الزوجة بالتحرّر من سلطة الزوج مادياً ومعنوياً).
نلاحظ اختلاف أسباب الطلاق وظروفه ما بين الداخل السوري، الذي ما زال يعتبره كباقي المجتمعات العربيّة (أبغض الحلال) وأوربا، باختلاف كلا المجتمعين قانونياً واجتماعياً، ففي دول أوربا تحرّرت المرأة من سيطرة زوجها ولم يبقَ (سي السيد) الآمر والمُسيطر، يحمل عصاه ويضرب، كما تحرّرت من الوصمة الاجتماعية للمطلّقة وما تحفُّ لفظة (مطلّقة) من تُهم وصفات لا أخلاقية، كما لعبت التسهيلات التي تقدمها الحكومات الأوربية للمرأة المطلّقة وأطفالها دوراً في اتخاذها قرار الانفصال، إذ تتكفّل الدولة بتعليم الأطفال، ودفع أجور المنزل وتكاليف المعيشة. وبهذا لم تعد المرأة في أوربا بحاجة إلى دعم الرجل اقتصادياً أو تحمّل الظلم والكبت، وفضّلت التّحرّر من قيوده بالطلاق.
إضافة إلى التباين في الأسباب، بات لدينا تصنيف يُحدّد المطلقين والمطلقات تبعاً لفئات بنّدتهم دراسة على الشكل الآتي:
1- الفئة الأولى، الفئة الشابة، التي فهمت الحرية الشخصية بالشكل الخاطئ، ولم يعد يأخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد الخاصة بمجتمعه، إضافة إلى توفّر مقومات الحياة كافة، من سكن ومال وعمل، والعلاقات الجنسية الخارجة عن الأطر الزوجية، والقانون الذي يصون المرأة، ما يجعلها تتمرّد في عائلتها.
2- الفئة الثانية، هي من الرجال الذين يصاحبون الفتيات الأجنبيات، وإهمالهم لزوجاتهم وأطفالهم، ما يدفع المرأة إلى طلب الحصول على الطلاق، فيكون للرجل دور في خلق عوامل تعود عليه سلباً.
3- الفئة الثالثة، التي أصبحت تُقلّد المجتمع الأوربي وتريد العيش على طريقته، وانتشار المساكنة دون عقد زواج رسمي.
4- الفئة الرابعة، النساء اللواتي تزوجن قسراً في السابق تحت ضغط عائلاتهن، أو تزوجن وهن صغيرات أو تزوجن أشخاصاً أكبر منهن سناً، أو تزوجن بالمبادلة.
ومنهن من عشن في خلافات حادة مع أزواجهن وتعرّضن للإهانات والضرب دون احتجاج في ظلّ قوانين تعطي الحق للرجل وتجبرها على التزام (بيت الطاعة)، وحرمانها من أطفالها بعد مرحلة الحضانة، ونظرة المجتمع السلبية إليها.
وهنا نقول، ما بين أبغض الحلال والحريّة الشخصية (بصرف النظر عن المعنى الحقيقي والمساحة الإيجابية للحريّة الشخصية) تُعارك اليوم المرأة أمام ما يحصل، بالرغم من أن الطلاق يؤثّر على الرجل والأبناء أيضاً إلاّ أننا سلّطنا الضوء على جانب المرأة تبعاً للمُتغيّرات التي طغت على المشهد السوري وبدّلت معه تركيبة مجتمعه وحيثيات الظواهر. إذ كانت توّجه أصابع الاتهام إلى المرأة حين الطلاق، كيف لم تصبر؟! وتنوء بالتهم والأعباء ما بعده، أمّا الآن وتبعاً لكل ما أسلفناه سابقاً وكل ما نشهده من تبدّل في كيان المرأة وتفكير المجتمع، فهل بقي اللوم ذاته والاتهام قائماً؟!
لكم نترك الجواب.

العدد 1104 - 24/4/2024