وجوه تُخفي الحقائق

وعد حسون نصر:

تختفي مشاعر تحمل معها صفات الشخص الداخلية من حب أو كره، تحمل ما يحمله أي شخص فينا من مشاعر تجاه الآخرين، أحياناً نلجأ للاحتفاظ بها لأنفسنا ونعكس ما احتفظنا بها للآخر، فمثلاً أُظهر الحب بدل الكره، أو الرضا بدل التذمر، خشية الإساءة للشخص الذي أمامنا، لكن موقفاً صغيراً يكشف ما في النفوس من خبايا، فنظهر نحن وغيرنا على حقيقتنا، وهنا نكون كلٌّ منا قد قرأ الآخر بشكل مغلوط، طيبتنا تجعلنا مغشوشين بمن حولنا، العلاقات الزائفة المبنية على المصالح من الآخر تجعلنا لا نقرؤه بشكل جيد، العلاقات الأسرية المبنية فقط على الواجب أمام الناس وخاصة بين الإخوة والأخوات تجعلنا نستمر في ضخّ مشاعرنا بشكل مغلوط،  كما أنه خشية أن نخسر عملنا نضطر للكذب بمشاعرنا، وهنا نُزجُّ جميعاً بدائرة المصالح المجبولة بالكذب والزيف وخاصة بالشعور والمشاعر.

البعض يلقي اللوم على الظروف ويقول إنها أجبرتني على التعامل والضحك والمجاملة مع أشخاص لا أستطيع تحمّلهم لكني مضطرّ، وغيره يقول إن الرابط الأسري هو من يجبره على الضحك على نفسه بالعلاقات قبل الآخرين، وغير ذلك الكثير من الأمثلة تجعلنا جميعاً دون أي استثناء نُظهر عكس ما نحمل من شعور لغيرنا! لا يمكن أن أقول عن نفسي إنني طيبة جداً والآخر سيئ يحمل بداخله مشاعر البغض لي، ربما يكون العكس، فالذي أمامي طيب ويحمل لي الخير وأنا نتيجة شعور شخصي مني أتصنّع مشاعري نحوه، بالتالي مواقف صغيرة تجعلنا نخرج عن مألوف حقيقتنا، وهنا نبدأ كلنا بإلقاء اللوم على الآخر لسوء الاختيار لهذه العلاقة المبنية على الزيف، فيكون هذا الشيء طبيعياً لأننا وراء الوجوه نخفي عكس ظاهرها، ولأننا جميعاً نمتلك زيف المشاعر ونخشى أن نخسر الأشخاص لعدّة دوافع، ونتيجة علاقات ومصالح مشتركة نقوم بشكل تلقائي بإظهار الود وخلفه كره، رضا خلفه تذمّر، ضحكة خلفها سخرية.

وهنا لا بدَّ أن نسأل أنفسنا سؤالاً مشروعاً: لماذا لا نظهر مشاعرنا الحقيقية حتى لا نكون كما في المثل الشائع (أصحاب وجهين ولسانين) وإذا كنّا مضطرين للتعامل مع أشخاص لا نرتاح بالتعامل معهم، لماذا لا يكون التعامل معهم بشكل رسمي جداً، وهنا نجنّب أنفسنا استهلاك مشاعرنا بمكانها غير الصحيح. وبالتالي من وجهة نظري الشخصية،لا يمكن أن أقول إننا قرأنا الآخر بشكل مغلوط والمواقف كشفت حقيقته أمامنا، لأنه ربما يكون العكس، فلماذا لا يكون الآخر هو من قرأنا بشكل مغلوط، وبلحظة ما لموقف بسيط كشفنا شعورنا أمامه وحقيقة نظرتنا له، فنحن بشر جميعنا يُخطئ، وجميعنا نضطّر للكذب حتى بالشعور وإن كان هذا الشعور مع الأهل أنفسهم، فلتنجنّب زيف مشاعرنا علينا أن نوازي بين ظاهرنا وباطننا، طبيعي أن نظهر أحياناً اللطف لأشخاص بعيدين عن قلوبنا جمعتنا معهم علاقة عمل أو صداقة عادية أو مصالح مشتركة، لكن من المفروض أن نحاول قدر المستطاع عدم الاحتكاك معهم بشكل مباشر، وعدم مزج الشخصي بالعام لكي لا نسقط بهاوية الكذب واللغط بحقيقة المشاعر ونبدو وكأننا أصحاب الأقنعة وبالعامية (مصلحجية). لذلك قراءتنا للآخر وقراءة الآخر لنا بشكلها الصحيح تظهر بالمواقف وبالشدائد وبالعلاقات العامة أكثر من الشخصية، فكم من أشخاص ظننّا أنهم لا يكنون لنا غير السوء، ومجرّد أننا تعرضنا لموقف شخصي وجدناهم أقرب الأشخاص لنا وأكثرهم خوفاً علينا، احتضنوا حزننا قبل فرحنا، بالرغم من معالم الجدية المرسومة على وجوههم، لكن داخلهم طيب وهم خير وفير من العطاء، والعكس صحيح، فكم من أشخاص كنّا نظن أنهم السند والسيف خلف ظهرنا ومجرد وقعنا في مشكلة أو ظرف طارئ تبخّروا من حولنا وكأنهم سراب فكأن الأرض انشقَّت وابتلعتهم، لنجد أنه ومن هنا خير مخبر عن نفوسنا هي الشدائد التي تُسقِط أقنعة الجميع لتظهر ما في الوجوه من قبح، فكم من وجه عبوس حمل بين طياته طيب المشاعر، وكم من وجه ضحوك حمل بين ابتسامته خُبث المشاعر، وخير مخبر عن كليهما هو الظروف، فلندع الظروف ومواقفها تخبرنا حقيقة من حولنا وحقيقتنا لمن حولنا.

العدد 1102 - 03/4/2024