هل خُدِعنا أم خدعنا أنفسنا!؟
إيمان أحمد ونوس:
تلعب الحياة الاجتماعية والعلاقات الناشئة عنها دوراً أساسياً في حياة الفرد وشخصيته، لما تمنحه من معارف وخبرات وتفاعل متنوّع الاتجاهات. كما تُشكّل هذه العلاقات صمّام الأمان للكثيرين الذين لا يستطيعون العيش بلا أشخاص آخرين في حياتهم اليومية كالأصدقاء والجيران والزملاء …الخ. وعليه فإن تلك العلاقات غالباً ما تخضع لمتغيّرات ظرفية تعود لطبيعة الأشخاص النفسية- القيمية من جهة، ومن جهة أخرى تعود لظروف طارئة أو مُستجدّة وربما غير إرادية من قبل أحد الأطراف، ما يجعلها تتأرجح ما بين الخفوت أو الطغيان حسب طبيعة كل من الأطراف الموجودة فيها أو القائمة عليها.
وغالباً ما يطغى الجانب العاطفي على تلك العلاقات لدى غالبية الناس، بمعنى أن العواطف سلبية كانت أم إيجابية هي من يحكم ويتحكّم بمجريات العلاقة ورؤية كل طرف للآخر، فإن ساد الحب والمشاعر الإيجابية، فلا يرى الشخص من الآخر سوى إيجابياته أو طباعه الحسنة، وحتى إن ظهرت بعض البوادر السلبية، فلا شكّ أنها ستجد المبررات التي لا تشوّه صورته في نظر من أحب، والعكس يمكن أن يكون صحيحاً إلى حدٍّ ما، فحين تغلب المشاعر السلبية، تصبح أيّة هفوة مجالاً للنقد ومحاولة الابتعاد. كما لا نغفل الدهشة والتبجيل عند لقائنا بعض الأشخاص الذين نستشعر أو نتوهّم أنهم على قدر كبير من الجاه أو الثقافة أو المكانة الاجتماعية الرفيعة بما لا يجعلنا نفكّر ولو لبرهة أن أولئك الأشخاص قد يكونون أناساً عاديين لا يحملون القدر الكافي ممّا استشعرناه منهم، وهذا يقودنا بالتأكيد إلى أن العاطفة تغلب على العقلانية في الحكم والرؤية والتوقعات التي لا يمكن أن تراودنا أو نتخيّل حصولها في يوم ما.
يمكن لبعض العلاقات الاجتماعية أن ترافقنا زمناً طويلاً، ذلك أنها قائمة على الوفاء والصدق وعدم التكلّف سواء في المواقف أو المشاعر، وبالتالي يكون الإخلاص شعاراً ضمنياً لدى الطرفين اللذين لا يشكُّ أحدهما بوفاء الآخر وحمايته له في غيابه. بالمقابل قد تصادفنا بعض العلاقات التي تحتل زمناً ليس بالقصير من عمرنا ومشاعرنا واهتمامنا، فجأة، وعند أبسط خلاف أو حتى اختلاف تهب عواصف من الأحكام والمواقف التي لم نتوقعها، ونُصدم بكم الكراهية والحقد المدفون خلف مشاعر وعواطف لم تكن أكثر من قناع مُزيّف يستر غايات وأهدافاً لم نفكّر بها، مثلما يُخفي خصالاً وسمات لم نلحظها ولم نستشعرها، وربما قمنا بتبريرها سابقاً. عندئذٍ، لا شكّ أننا نُصاب بالخيبة والخذلان اللذين يُسيطران على حياتنا لبعض الوقت. وهذا يُذكّرني بمنشورٍ لأحد الأصدقاء قال فيه: (في الكثير من مواقف الغدر، نحن لا نتحسّس مواضع الألم، بل نتحسّس حجم الدهشة التي يخلّفها فينا سقوط قناع ما عن وجه نحب).”
كما تُخلّف تلك الخيبة والدهشة تساؤلات عدّة عن ماهية هذه العلاقات التي نكتشف خلالها كم كنّا مخدوعين بأشخاص رأينا فيهم الصديق والنزيه والفاضل.. بينما الحقيقة خلاف ذلك، وهل نحن عاطفيون وبسطاء لدرجة لم نلمس خلالها زيف أولئك، أم أننا لم نمتلك الرؤية الصحيحة للأشخاص ومزاياهم التي ربما ظهرت منها بعض المؤشّرات التي لم نقف عندها حينذاك؟
لا شكّ تقبع خلف تلك الخيبة والخذلان أسباب تتعلّق بنا، منها قلّة الخبرة في التعرّف جيداً على السمات والخصال التي يتمتّع بها الآخر، إضافة إلى أننا غالباً ما نُسبغ على الآخر بعض صفاتنا وأخلاقياتنا، وبالتالي نتعامل معه من خلالها، ممّا يجعلنا لا نتوقّع غدره يوماً. وهناك أسباب تتعلّق بالشخص السلبي كسلاسة اللسان والعواطف وحتى الكرم المادي التي تمكّنه جميعها من إخفاء خصاله السيئة لبعض الوقت، إضافة إلى أنه لا بدّ شخص يحيا على قاعدة الغاية تُبرّر الوسيلة، ما يجعله ينتفض إذا ما خسر رهاناته وغاياته التي عاش عليها خلال تلك العلاقة.
وعليه، سيبقى الإنسان في سباق مع الزمن حتى يمتلك الرصيد الكافي من الخبرة التي تؤهله لإصدار الحكم على الآخرين، ولهذا نجد أنه كلما تقدّم الإنسان بالعمر، كلما تضاءلت علاقاته الاجتماعية، وهذا يعود للتجارب التي عايشها في حياته، والتي لاشكّ منحته معايير أكثر دقّة في انتقاء الأشخاص وكيفية التعامل معهم.