الفضاء الاقتصادي وخصوصية البلدان

الدكتور سنان علي ديب:

الفضاء الاقتصادي يمكن تحديد ماهيته من نواحٍ عدّة، فمن الناحية الجغرافية هو المساحة الجغرافية للاقتصاد، أي حجم الأرض التي يغطيها ويمتد إليها، وتالياً امتداده عبر تكتلات وتجمعات وعلاقات واتفاقات فاعلة وليست اسمية توسع الاقتصاد الوطني، كما وجدنا كيفية تشكل  الاتحاد الأوربي والسوق الأوربية المشتركة وتحول الدول المنضوية به كتلةً واحدة، وحقوق السكان في أصغر كيان منه مثل البلدان المتطورة المتصدرة اقتصادياً وهو ما أزعج الغطرسة الأمريكية لاحقاً وأوحت لتقويضه عبر خروج بعض الدول منه كبريطانيا، والفضاء العربي الذي طالما عُرقل ومُنع تجسيده على الأرض منذ أن صُنع الكيان الإرهابي الصهيوني وصولاً إلى التأثير على دول لتقويضه وتفريغه هو وأي وحدة واتحاد بين دول من هذا الفضاء وخاصة الدول ذات التأثير القوي والزخم البشري وزخم الإمكانات والموارد كالوحدة بين مصر وسورية والعراق وسورية، وكذلك عرقلة السوق العربية المشتركة وكذلك  الفضاء الخليجي  ودوماً محاولة خلق الفتن والخلافات وابتزاز دوله وسلبها بكل الطرق. ونصل إلى منظمة التجارة الدولية والغات ومحاولة خلق فضاء عالمي وفرض شروطه على كل الدول وفرض الانتماء له بشتى وسائل الترغيب والترهيب، وكذلك عبر برامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي مهدت لما سمي العولمة، ولكننا وجدناها أساليب جديدة للسيطرة والنهب والتدمير التنموي، وهي فرض على الدول الضعيفة وكثيراً ما خرجت عنها الدول الكبرى عندما تعارضت مصالحها متناسية اختلاف البنى والخصائص بين البلدان، وتالياً توسيع فضاءات الدول الإمبريالية الاستعمارية وكشكل جديد للنهب والسلب وتقويض التنمية والقتل الاقتصادي، واتضحت النوايا السيئة اللاإنسانية بشكل أكبر وأكثر وضوحا بعدما وصلت دول الاستكبار إلى ما صبت إليه بالاتجاه المعاكس والمغاير، فبدلاً من توسيع الفضاء استعملت العقوبات والخنق الاقتصادي بما يخالف القوانين والفكر الذي طالما روجوه، وبما يشكل سلوكاً ضد الإنسانية وقوانينها وضد الديمقراطية والحرية وحرية تقرير المصير وفق القوانين والتشريعات الدولية.

وكذلك يمكننا أخذ ماهية الفضاء الاقتصادي من الناحية الفكرية، فقد استثمر التطور والسياق التاريخي في محاولة تقسيم العالم إلى معسكرين رأسمالي واشتراكي، ومن ثم الشيوعية الأممية أو العولمة الرأسمالية المتوحشة، وبعد الحرب الباردة بين المعسكرين وتتويج المعسكر الغربي المتوحش بزعامة الولايات المتحدة   يحاولون عبر فرض ما سمي الليبرالية والليبرالية الجديدة وما بعد الليبرالية توحيد السلوك الاقتصادي العالمي وتركيز وتكريس السيطرة الرأسمالية اللا إنسانية عبر عولمة الإعلام والتقنيات والشركات العابرة للدول.

وذلك لعرقلة التجارب المحلية في توسيع الاقتصاد عبر التنمية متعددة الجوانب وعبر السياسات المختارة التي تناسب بنى البلدان وتقوي وتحصن دواخلها، واختيار العلاقات البناءة المتكاملة هذه التنمية التي يجب أن تكون فيها الحكومة هي القائدة والراعية والموجهة بما يناسب الحاجات والبرامج والإمكانات، وهذه الاختيارات التي أعطت نتائجها في مختلف البلدان التي كانت تسمى النامية ومنها بلدنا بمنجزات نجم عنها الأمن الغذائي والصناعي والتنمية الشاملة والتنمية البشرية والتطور والتقدم  بحيث استثمرت الإمكانات مع العلاقات مع دول صديقة  لتطوير مشاريع البنى التحتية التي ساعد في البعض منها الدول الصديقة الدور المحوري، فالعودة إلى ذلك الطريق والعودة إلى التنمية المستدامة المتوازنة والمستمرة وإلى التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. ونتيجة للخنق الاقتصادي وللتدمير الممنهج لقطع الطريق التنموي عبر استعمال كل أساليب الوحشية واللا إنسانية بخسائر وصلت إلى ٦٥٠ مليار دولار عدا الخسائر الأهم وهي البشرية ما بين قتل وإعاقة وتهجير وصلنا إلى استحالة أي حل اقتصادي دون حل سياسي داخلي متوافق عليه في مرحلة خطرة يمارس بها الإرهاب الاقتصادي بأوسع اشكاله. ونستنتج مدى سلبية العلاقات والاتفاقات والتي قد تكون نوعاً من الخباثة المتوافق عليها مع دول اللا قانون ولا إنسانية دول الاستكبار وانعكاسها نحو تقليص الإمكانات بدلاً من التوسع بالفضاء الاقتصادي عبر علاقات غير مدروسة مع بعض الدول مثل تركيا وقطر، وانعكاسها سلباً على شعبنا وقلص الاقتصاد وعرّض الكثير من الحرف لمنافسة غير شرعية وغير عادلة، وكذلك عبر السير بنهج يخالف التاريخ الاقتصادي وخصوصية البلد وسيرورة الاقتصاد ويعرقل التوزيع الأشمل والأكثر عدالة ويقوض دور المؤسسات ويزيد الفساد ويتجاوز القوانين الإدارية والعلمية، وتالياً لا بد من العودة للاعتماد    على الذات لتوسيع الخيارات واختيار البرامج والسياسات ضمن أولويات الحاجات والإمكانات المتوفرة، ولابد من ضرب منظومات الفساد أدوات الارهاب الاقتصادي المدمر للبلدان لفرض سياسات وأدوات بمختلف الاتجاهات، وهو ما وجدناه بأدوات  تضارب بسعر الصرف وتبرمج رفع الأسعار، وفي ظل الخناق على بلدنا، من يقف معنا في هذه الظروف التي تستكلب فيها القوى المعادية وادواتها فهو الصديق، والعودة لحل سوري داخلي متوافق عليه يقوض البرامج الخارجية يعتمد على المسامحة والتسويات لعودة الألفة والانطلاقة الذاتية لتجاوز أصعب مرحلة.

وهنا لابد من التذكير بأنه لا يوجد مسؤول أو مواطن إلا ويعترف بصعوبة الوضع وبالأسباب المتزاوجة ومنها الفساد وسوء الإدارة ولكن في ظل الخناق الاقتصادي الاستعماري وصلنا إلى نقص ومحدودية الموارد بعد حرب خسرنا بها غير الطاقات البشرية، وبالتالي التعاون والتكامل ضرورة لتجاوز أصعب مرحلة ويجب الصبر لمدة شهر ونيف، من صبر ١٠ سنوات يجب أن يتحمل رغم تفشي الفقر والعوز، ولكن البلد أهم وأغلى وهناك من يقاتل بسورية وأهلها لمصالح ضيقة، رغم أن البعض لا يتأثر وإن أغلب الشعب يدفع الثمن. تجاوزنا الصعاب عبر نضال وصبر منقطع النظير، ولاحقاً إن تجاوزنا الصعاب وسنتجاوزها ولم تنعكس على الشرفاء والمضحين، فسوف يكون ردّات، ولكن اليوم الهدف حماية سورية الماضي والحاضر لمستقبل جيد.

ولا نفع لاي دعوات سوى لرفض العقوبات والحصار و لضرب بيد من حديد عبر تفعيل دور المؤسسات والتي كانت وما زالت عدوة لقوى الفساد والتي حاولت تثبيطها ليكون لها الدور الاكبر و لتحييد القوانين.

إن تجاوزنا هذه المرحلة بعلاج وحلول وطنية موحدة سيكون الفضاء الاقتصادي الكبير و التنمية باوسع نطاقها ولهذه المرحلة برنامج خاص يجب التوافق عليه.

العدد 1104 - 24/4/2024