يوم السعد!
محمود هلال:
لقد حل شهر شباط الذي ما على كلامه رباط.. هكذا قال أهل الأمثال في شباط، وقالوا فيه أيضاً (يشبط ويلبط وريحة الصيف فيه)، و(صيف العرب شباط)، و(شباط شهر القطاط).. والقائمة طبعاً تطول، أجل، هذا الشهر هو متقلب كثيراً بين الغائم والمشمس، وعندما تتسلل الشمس وتنقشع من بين الغيوم يستبشر الناس خيراً بالدفء ويسمونها: شمسات شباطية.
وفي هذا الشهر تبدأ خمسينية الشتاء منذ الأول من شباط وتنتهي في 23 آذار بداية فصل الربيع، وتقسم هذه الفترة إلى أربعة سعودات، وكل سعود مدته 12 يوماً ونصف يوم، وهي (سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الخبايا) ولكل سعدٍ منها قصصه وأمثاله وحكاياه. وفي أيامنا هذه يمكن أن نسمي اليوم الذي يحصل فيه المواطن على بيدون من المازوت: يوم السعد، لأنه حتى الآن هناك فئة ليست قليلة من الناس لم تحصل على حصتها من المازوت ولم يأت يوم سعدها برسالة من شركة المحروقات تعلمها عن استلام مخصصاتها، وكذلك بات المواطن ينتظر بفارغ الصبر رسائل سعد مماثلة للغاز وللبنزين وللمواد التموينية وغيرها.
وللحديث عن سعودات شهر شباط يعد سعد الذابح هو أبرد السعودات وأصعبها، ويعد له الناس العدة ويحسبون له ألف حساب، ففيه تكثر الأمطار والثلوج والبرد، وفيه تقفل الأبواب وتوصد النوافذ وكما يقول المثل (في شباط لا باب انفتح ولا كلب نبح). وسمي بـ(الذابح) لأن فيه اضطر سعد الذي انقطع في البادية أن يذبح ناقته ليختبئ بداخلها كي لا يهلك في العاصفة.
لقد تعرضت بلادنا لعدة منخفضات جوية باردة، وانخفاض بدرجات الحرارة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض بمستوى الأخلاق والضمير عند بعض بائعي المازوت والمحروقات إلى مستوى الصفر أو تحت الصفر، فزادوا الأسعار ورفعوا ضغط المواطن ودرجة حرارته، لتصل إلى درجة الغليان، وأصبحت أسعار المحروقات تتخبط مع أسعار البورصة بين هبوط وصعود وحسب شدة كل منخفض جوي، فقد وصل سعر ليتر المازوت إلى نحو 1200 ل.س في بعض المناطق شديدة البرودة، مع ندرة شديدة في توفره، وكذلك وصل سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء إلى نحو 35 ألف ل.س وأسعار الحطب وصلت إلى نحو 300 ل.س للكيلو غرام الواحد في هذا الشتاء البارد.
إذاً، يمكن القول إن جميع الأشهر أصبحت سعودات كسعد الذابح، الذي يذبح الناس ذبحاً ببرودته ويكمل تجار الأزمات وأصحاب القلوب السوداء على الناس بذبحهم بأسعارهم الكاوية دون رحمة ولا شفقة، فوقع المواطن فريسة لهؤلاء وللبرد والمرض وللفقر والجوع والغلاء.
وهكذا مسيرة السعودات مستمرة من أمطار وبرد وعواصف، وبات المواطن يخشى سماع النشرات الجوية التي تنبئ بمنخفضات قطبية جديدة، ويتضرع إلى الله أن تخلص هذه الشتوية بسلام، لأن الفاسدين وتجار الأزمات لن يتوقفوا عن الجشع بل سيزدادون أكثر فأكثر، ليملؤوا جيوبهم وكروشهم قبل أن يحل سعد السعود و(يدفأ المبرود) و(تمشي العصارة بالعود).. ويأتي سعد الخبايا ويحل الدفء و(تسرح العقارب والحيايا) ويخف الطلب على شراء المازوت، وحينئذٍ تصبح (الدروة أحسن من فروة) ويحل الربيع الذي يحمل الدفء والأمان والاستقرار والسلم والحياة ويكون يوم السعد لجميع السوريين الصامدين في هذا الوطن الحبيب.