النبع السوري المدرار

الدكتور سنان علي ديب:

ليس من باب التنظير ولا الافتخار اللا واقعي، ولكن من منظور تاريخي عميق وعلى مدى العصور، لم ينضب النبع السوري ولم يجفّ عطاؤه الحضاري والإنساني، ولا يمكن أن ينجم هذا العطاء من دون أسس وثوابت ومعطيات، وهذا ما جسدته الحرب القذرة بأنواعها المتعددة والبعيدة عن القيم والحضارة ، ولسنا بوارد الإرهاب العسكري والقوة والحضارة التي واجهته بها المؤسسة العسكرية، ولا بوارد الإرهاب الإعلامي المضلل الفاقد لأي مصداقية، ولكننا سنركز على الإرهاب الاقتصادي الذي استشفَفنا أن يكون البديل الأخطر ونحن ضمن سياق الإرهاب العسكري، ولن ندخل بما مورس من أساليب قذرة لقتلنا اقتصادياً ولقتل كل أنواع الحياة والإنسانية، ومؤكد لم تقتصر على الحصار والعقوبات وإرهاب الدول، وكلنا يذكر حرق المحاصيل وسرقتها وسرقة النفط والغاز واحتلاله، والمضاربة على العملة الصعبة وسرقتها ومنع دخولها، وليس أخيراً حرق الغابات في أغلب المحافظات، وهذه الافعال لم ولن تكون عبثية أو فوضوية وإن كانت الغاية منها الفوضى والركوع والخنوع.

ولكن ما يهمنا أنه رغم الأزمات المتعددة وأغلبها ناجم عن سلوكياتهم وأدواتهم المتماهية بإجرامهم وافتقادهم للحضارة وللخضوع للقانون الدولي، ما زلنا صامدين وما زال الأمل المترافق بالعمل وما زالت الطرق سالكة للتعافي والعودة القوية، وكيف لا؟ فعندما حققنا الامن الغذائي حصنا أمننا الداخلي وصنعنا الأمان بكل أنواعه، وأول ما تأثر ببرامج بعيدة عن خصوصيتنا هذا الأمن عبر خطط هبط القطن الذي كان يشكل مع القيمة المضافة عبر صناعته ما بين ٤٠ إلى ٥٠ بالمئة من الناتج المحلي والشوندر السكري الذي أغلقت معامل لعدم زراعته علما أنه لا يقتصر على صناعة السكر.

يتوفر لدينا أهم الإمكانات رغم الحصار والعقوبات الظالمة وهي ما عدت ثروة الحداثة الخبرة والمعرفة والكوادر الكفأة، وإن كان هناك خلل باستثمارها وكذلك سرقة من الغرب مدّعي اللبرلة لهذه الكفاءات منذ عقود، هذه الكفاءات القادرة على إعادة القطار إلى السكة والطاقات الشابة والأراضي والبنى التحتية.

من المؤكد كما توقعنا الحصار والإرهاب الاقتصادي الذي يقتل شعباً من قبل دول تدعي الإنسانية هو السلاح الأخطر، ولكن بإرادتنا سنواجهه مثلما انطلقت الفورة القمحية عندما احتجنا للقمح، وكلنا يتذكر عندما وصلنا إلى إنتاج خمسة ملايين طن كيف استنفرت رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة وصرحت لا يمكن أن نغلب بلداً يحقق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي! وهذا يجعلنا نصرخ بأعلى صوت بحاجتنا لفورات زراعية وحيوانية، وعبر فتح نوافذ تصدير ما لم يستهلك يقايض أو يصدر.

مؤكد أن العقوبات وقانون قيصر وضعت ضدنا ولكن ضد الدول الاخرى ولكننا نملك أدوات وأساليب مواجهتها، وكذلك آن الأوان لإصلاح جدي للقطاع العام ولإدارة وطنية للأسعار، والبعد عن محاباة أي كان على حساب الوطن والمواطن، بحاجة إلى تسريع الإصلاح الإداري الذي جاء بناء على تشخيص صحيح لأهم أمراضنا وعبر علاج صحيح لغول الفساد عبر ملاقاته لتوصيله إلى ما يقارب الناحية الصفرية.

دوماً نقول ونكرر: في الحروب القرارات استثنائية تمزج بين البعد الاقتصادي والأمني لتحقيق الوطني، وأهم انطلاقة للاقتصاد عبر المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وهي أساس الانتشار التنموي عمودياً وأفقياً، والتخفيف من الأعباء الكارثية للحرب المعقدة وليس فقط بجانب ما يفوق الـ ٥٥٠ مليار دولار، ولكن نزوح أكثر من ٧ ملايين وتهديم أكثر من ٤٠ بالمئة ما يفوق ٣ ملايين مسكن وملايين الجرحى والمعاقين والعنوسة والطلاق وتفتت الأسر وأعطر الشهداء وتهجير الشباب، ومن المؤكد في زمان الحروب هناك أجندة اقتصادية مختلفة عن اقتصاد النمو والرفاه واقتصاد المقاومة.

فالأدوات الإرهابية التي تستخدم متعددة، وهنا لابد من التذكير بالحرب المضللة لمنع عودة أهلنا من الخارج، والمضاربات وليس فقط على العملة الصعبة ولكن على كل شيء العقارات والسيارات والسلع والأدوات المختلفة والسعي لتجفيف الحوالات ونجحوا نوعا ما.

وهذا ما يجعلنا بزيادة الحاجة إلى إعلام مقاوم لمشاريعهم وجاذب لأهلنا ويساير بقوانين وإجراءات من الحكومة  تسهل عودتهم في ظل الحصار الظالم القاتل والسعي الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي مع أساليب وسياسات نقدية ومالية لجذب الحوالات ولسحب العملات الصعبة المكتنزة داخلياً وخارجياً خارج النطاق المصرفي، وكذلك التفكير بفكر متوسط واستراتيجي محصور بنواة لبدائل تامين الطاقة التي هي من أهم أسباب الصراعات الدولية وكذلك قطعها وسرقتها وحرماننا منها بأساليب فرض الأجندات القذرة والتي لا تناسبنا ولن توصلنا لحل وطني متوافق عليه. ولسنا بوارد الدخول بالجزئيات والتفاصيل ولكنها لمحة عن صمود تاريخي متجذر وتوفر بنى استمراره فالنبع السوري لم يجف ولن يجف.

ولكن السرعة مطلوبة وليس التسرع وتفجير الأفخاخ ضرورة وحاجة ورغم الفقر والمعاناة الناجمة عن إرهابهم فالأمل كبير ونوره ينير الطريق

وكل ذلك متاح بتوفر النية والإرادة والصدق مع الذات والوطن.

وهنا لابد من التنبيه لأداة من أدوات المواجهة رغم أننا كنا من رافضيها قبل الحرب لتوفر الإمكانات وعدم الحاجة لها.

فكلنا على يقين بما نعانيه من محدودية الإمكانات والمواد والقدرات، في ظل الحصار والعقوبات وبالتالي البطاقة بمعزل عن وصفها بانها ذكية أم لا فذكاؤها من مستثمريها لتوزيع عادل وضمن الإمكانات أصبحت ضرورة لتقويض الطلب ضمن المقدرة المتوفرة، وبالتالي لابد من هندسة اقتصادية ضمن هذه المؤشرات علماً أنه في أي لحظة قد تفتح الأفق الاقتصادي مع الحل السياسي الوطني المجمع عليه.

كلنا أمل بتجاوز الصعاب بصدقية العمل.

وليس النبع السوري مدراراً لا ينضب فقط، ولكن مياهه نقية صافية شافية للأمراض والعلل.

العدد 1104 - 24/4/2024