جريمة موصوفة


غزل حسين المصطفى
:

غزل، لو افترضنا أنكِ كنتِ أنتِ الضحية في تلك الحوادث التي تروينها (مُتَحرَّشٌ بها) كيف ستكون ردّة فعلك، وبصدق؟
قلت: ببساطة تبعاً للموقف للمكان والزمان ولكن لن أسكت، على الأقل سأفضح الجاني بصوتي.
بصوتٍ متعجّب وإيماءات مندهشة قال: كيف تفعلين ذلك، أليس الأجدر بك أن تكوني الناصحة المرشدة، فتدلين المجرم أو المعتدي إلى الصواب من موقعك كمتطوعة في جمعية تنظيم الأسرة السورية، وكونك تُديرين جلسات حوارية في مراكزها في مختلف المواضيع؟
قلت له: من لم يُفكر قبل أن يُقدم على فعلته لن ينفع معه الكلام، لو أنه بعقلٍ مُتزن لما فعل فعلته.
ولأزيدك من الشعر بيتاً كلما صعدتُ حافلة وخصوصاً (باص النقل الداخلي) أكون قد جنّدتُ أظافري وصوتي وكل حواسي لأيّ حادث.
قال لي: لماذا تنظرين إلى الموضوع على أنه حق وقضية، إنه أبسط من ذلك بكثير.
نعم!؟ بسيط (أجبت ونبرة صوتي صارت حادّة نوعاً ما)
كيف يكون بسيطاً؟! أما تسأل عن الأثر النفسي للموضوع على الأنثى؟!
أما تسأل عن متحرّش تركنا له المجال وسكتنا له.. إلى أين سنصل بعدها؟!
كيف يكون بسيطاً، وحين تُوزع التُّهم يكون للأنثى النصيب الأكبر، لأنها هي من فتحت ذلك الباب على نفسها!!
أليس من الأجدر بها أن تُغلقه إذاً؟!
أتدركُ أن جملتك تلك قنبلة!؟
أتدركُ أن تداول الخيانة وصورها والعلاقات خارج إطار الزواج أباح ذلك، بل وعزّز الصورة وفتح العيون على طرق كانت غائبة كلياً عن الأذهان؟!
أتدركُ إن تكرّرت هذه الـ(بسيطة، وليست قضية) في الأحاديث والأحكام المُطلقة على التحرّش، فسوف نكون قد سُقنا الأخلاق نحو هاوية وأجلٍ محتوم؟!
بصرف النظر عن القيم والأخلاق والأديان السماوية، الموضوع من جهة الأنثى بشع وثقيل، ألا تُحترم وتترك لها حرية الحياة بسلام؟!
نحن نجتهد في إطلاق الأحكام وتجريم فلان لرأيه وفلانة تبعاً لصورها.
نُعاني من مشكلة الكيل بمكيالين يا أستاذ (ش)
إني وبعد كلامك هذا وخصوصاً أنك كنت تُشاطرني اليوم جلسة حوارية نعمل فيها من أجل إعطاء المرأة هامش الأمان للتعبير عن نفسها وفضح متحرّشها، لن أستغرب من غيرك ورأيه، حقاً قد صُدمتُ بك جداً!
أنا اليوم فخورة جداً بذلك الأب الذي سمعت قصته يوماً حين جاءت طفلته بأعوامها الأربعة وجملها غير المترابطة، وأخبرته أن أولاد الجيران طلبوا منها خلع فستانها مقابل الشوكولا، حمل طفلته وأخذها ليستدل على الفاعل، حينذاك، ومنذ ٢٠ عاماً فضح أولئك الصبية، وجرّم أهلهم أمام المجتمع لا قانونياً، ولم يذبح ابنته ولم يلفّها بجلباب ويدفنها حيّةً.
صنع ذلك الأب فتاةً واثقة من نفسها وصبيةً تأدّبوا باكراً، وأخذ موقفاً يليق بأنه أب، وقطع الطريق أمام جرائم ربما نفسية مجتمعية لم تكتمل.
أستحلفك بالله لو قلت لك إن أباً تحرش بطفلته أو إن الأخ أو العم هو الجاني كذلك، هل كنت ستقول: المسألة بسيطة وليست قضية؟!
ألن يتحوّل التحرّش يوماً بعد يوم، وبعد السكوت، إلى زنى محارم؟!
أين تسوق المجتمع يا رجل؟ وكيف تقيس الأمور؟! بالله أقنعني!
إن كانت الدائرة الأولى وخط الدفاع الأول موبوءاً، فماذا عن مجتمع بأكمله؟
إن غفرنا التحرّش اللفظي سنغفر بعد ذلك غيره ونقف عند جرائم أخلاقية عظمى ما أنزل الله بها من سلطان.
أتعلم أن الموضوع (البسيط) حسب زعمك هو مصيبة تحلُّ على حياة الفتاة، فلا تستطيع النطق بحرف واحد لأنها تُجرَّم وتلتفُّ كل حبال المشانق حول عنقها متناسين المجرم الأساسي، لذلك وفي مجتمعنا العربي تلوذ الفتاة بالصمت والكتمان والتحمّل؟!
أتعلم كم عدد الفتيات اللواتي أقصين عن التعليم بذريعة الخوف عليهن من المجتمع؟!
أتدرك، وتدرك… وتدرك، الموضوع فعلاً قضية كبرى ويحتاج إلى مواقف صارمة.
أتمنى منك العودة إلى نفسك ومراجعتها آخذاً بعين الاعتبار كل المعطيات وأوّلها الأنثى.
في النهاية، انصرف كلٌ منّا إلى وجهته، لكن ذلك الحوار استنزف روحي حين وجدت أناساً ممّن يُصنفون أنفسهم مناصرين للمرأة ينظرون إلى قضية من القضايا التي تلدغها على أنها بسيطة!

العدد 1102 - 03/4/2024