لباسك الضيق أثار رجولتي!
وعد حسون نصر:
لباسك الضيق أثار رجولتي.. فلم أستطع ضبط شهوتي، فصار التحرش خارج إرادتي!
اعتبر المجتمع أن سبب التحرّش الجنسي المباشر هو سلوك الفتاة، متجاهلين أنه اضطراب سلوكي يدعمه خلل مجتمعي، وقهرٌ تستمر آلامه وتأثيره النفسي لمدى طويل، وربما لا يُمحى من ذاكرة فتاة أو امرأة تعرّضت لأذىً أو ابتزاز من المتحرّش الذي يحاول أن يجد لنفسه متعة ولو لحظية.
كم هو بشع وصعب شعورنا نحن النساء بأننا عاريات تماماً أمام تأثير قوة نظرات المجتمع وذكوريته المخترقة لأجسادنا وكأننا سلعة للعرض والطلب! كم هو قذر ومؤذٍ التعدي اللفظي على حشمتنا، أو التعبير بحركات ذات إيحاءات جنسية أمامنا تخنق الروح في أنفسنا، أو لمس أجزاء من أجسادنا وقد يتطوّر الأمر أحياناً إلى اغتصاب، والمبرّر هو ظهور جزء من أجسادنا اعتبره المتحرّش عورة وله الحق في استباحته! كم يتسبّب هذا الفعل بأذى معنوي وجسدي شديد لنا، على الرغم من أن الإعلام يُسلّط الضوء في الندوات على هذه الظاهرة البشعة وخاصة في المجتمع العربي، وكذلك تُعرَض التحليلات والمقترحات والحلول في هذه الندوات والحملات، ولكن ما إن ينزل الباحثون إلى أرض الواقع حتى يجدوا أن المتحرّشين مستمرون في الإيقاع بمزيد من الضحايا، فيحدث الاعتداء الجنسي الذي يعتبر نوعاً من أنواع العنف والعدوان يمارسه البعض كردّة فعل لعدّة أسباب، أهمها الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية، والتفكّك الأسري والزحام والقمع، أو الحرمان من الاحتياجات الأساسية، وهذه العوامل عندما تجتمع مع غياب للضمير والمبادئ والتربية الصحيحة، يصبح سلوك الشخص ميّالاً لكل أشكال العنف بشكل عام، ومنها التحرّش الجنسي، هنا يشعر المعتدي بلذّة المنتصر، وتُصاب الأنثى بشعور الانكسار، فهي امرأة مُهانة ومهزومة مع الإحساس بالدونية البالغة، وهذا يدعم الشعور لدى الجاني ويشجعه على تكرار فعلته، فيزداد الشعور بالانكسار عند الضحية الذي جاء نتيجة ردّة فعل المجتمع الذي ما زال رغم المبادرات العديدة والخطوات التي يقوم بها المجتمع المدني والرسمي لمناهضة هذه الظاهرة ينظر إلى الضحية على أنها الطرف الأضعف، والسبب المباشر للتحرّش، بسبب مظهرها ولبسها وكلامها وضحكتها وحتى مشيتها.
هذا الوضع يعكس تمييزاً ضدّ المرأة، ويجعل العنف ضدّها لا ينتهي، وبرغم أن ظاهرة التحرّش هي قضية مجتمعية تتحمّل الدولة والمجتمع مسؤوليتها، فالضحية ما زالت تُعامَل على أنها هي المسؤولة، سواء بسبب وجودها في الشارع أو سلوكها في المنزل أو عبر وسائل التواصل، وإذا لجأت إلى الشرطة فغالباً ما تخرج خائبة الرجاء، وتكون مطالَبة إمّا بأن تدلي ببيانات الجاني (وهو شيء شبه مستحيل) أو تتسامح وتتنازل عن حقها في مقاضاته، كما أن خوف الكثيرات من الفتيات على سمعتهن أيضاً، وعدم وجود مَن تلجأ إليه، يعدّ من أبرز أسباب هذا السلوك السلبي, وهنا تظنُّ الفتاة نفسها وبكل قناعة أنها الكائن المذنب دوماً، وأن الشكوى والبحث عن الجاني لينال عقابه لن تجرَّ عليها سوى الفضيحة وسوء السمعة، وبالتالي لا يخلّف التحرّش إلاّ الآثار النفسية التي تقع على الفتاة، ولا ننسى كم من الفتيات يضطررن للسكوت من أجل الحفاظ على مصدر رزقهن، بعد التعرّض للتحرّش من ربّ عملهن، كذلك كم من فتاة تسكت عن تحرّش أبيها أو أخيها أو عمها وخالها لكي لا تكون سبب فتنة في العائلة وتكون نهايتها الموت لأنها فاسقة رغم أن الجاني هو من صلة الرحم، بل هو من يجب أن يحميها من ذئاب المجتمع بدل أن يكون هو الذئب، وتغدو ظاهرة التحرّش الجنسي غير مقتصرة على الأماكن والأشخاص الغرباء، بل أبشع الانتهاكات وأقساها ألماً هي التي تحدث داخل الأماكن التي يُفترَض أن تكون الأكثر أماناً للفتاة وخاصة المنزل.
ربما يمرُّ فعل التحرّش خلال دقائق، لكن آثاره النفسية السيئة على الضحية تصل لدرجة الصدمة، وتمرُّ بمراحل من التفكير تبدأ بالإنكار للواقعة وكأنها لم تحدث، وقد تنتهي بالإقدام على الانتحار، وعندما تطلب المساعدة لتخطي ما حدث وتجنُّب حدوثه مرة أخرى، تصطدم من جديد بمن يستغل ضعفها، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من القهر والتعذيب على يد مبتزٍّ جديد، رغم ذلك لابدّ أن نرى في المجتمع فتيات نجون من التحرّش وكُنَّ أقوياء وهنّ أنفسهن ساهمن في التصدي لهذه الظاهرة، محاولات العمل مع جميع الأطراف المعنية على تغيير الصورة الذهنية للمجتمع عن المرأة والرجل، وحثّ النساء على الثقة بأنفسهن، وعدم الشعور بالذنب تجاه سلوك شخص آخر يعاني من الاضطراب السلوكي، مؤكّدات أنه قد يتحقّق الشفاء التام عندما نُصدّق معاً أننا لسنا وحدنا كنساء المسؤولات عمّا نتعرّض له أو يحدث لنا من تحرّش، فكذلك الرجل مسؤول عن فعلته وإن كان المجتمع قد غرس في داخله أنه رجل ويحق له كل شيء، وبالتالي لابدّ أن ندرك تماماً أن التحرّش هو مُضايقة أو فعل غير مرحب به من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، يتضمّن مجموعة من الأفعال والانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادّة، وبالتالي على الدولة أن تعاقب المُتحرّش بأشدّ عقوبة لكي لا تزداد ضحاياه ونصبح كأننا في غابة والقوي ينهش لحمنا تحت رحمة المجتمع وتبريراته للفاعل، لذا عاقِبوا ذئاب التحرّش حتى لا نصبح نحن نعاجاً بسبب كثرة أولئك الذئاب.