منطق لا منطق

د. أحمد ديركي:

نحن في زمن لم يعد فيه العيش ممكناً إلا من خلال بيع قوة العمل، وهي كل تملكه الطبقة العاملة ولا تملك أي شيء غيرها، مع لحظ أنها قوة غير مستدامة ولا فطرية، بل مؤقتة ومكتسبة.

تتشكل قوة العمل في الفترة العمرية (الشبابية) وتنهي بمرحلة (الشيخوخة) وبهذا إن لم يكن في استطاعة العامل أن يبيع قوة عمله خلال هذه الفترة الزمنية المحددة ليبقى على قيد الحياة، فلن تفيده في فترة (الشيخوخة). وفي الوقت عينه عليه اكتساب مهارة ما لتصبح قوة عملة الممزوجة بالمهارة التي اكتسبها سلعة قابلة للبيع في السوق.

تكتسب المهارة منذ لحظة بدايات تشكل (الوعي)، منذ أن يصبح في سن الدراسة، وتستمر إلى آخر لحظة وجود العامل في عملية الانتاج، وإن لم تمزج بقوة العمل بشكل صحيح تصبح عديمة الجدوى. وهنا يتضح مدى قصر فترة بيع قوة العمل كسلعة في السوق، إذا حذفنا من عمر العامل فترة العمر اللازمة لاكتساب مهارة، طول الفترة التعليمية، وفترة الشخوخة. (طبعاً الحديث هنا عن الفترات القانونية التي يجب اتباعها، أي في حال عدم وجود عمالة أطفال، ووجود سن للتقاعد). وبهذا يصبح عمر الإنسان، وتحديداً العامل، محدوداً وقصيراً، وإلا انتهت صلاحيته وتحول إلى سلعة منتهية الصلاحية غير قابلة للتبادل. (طبعاً هذا إن لم يحدث أي حدث يعيق العامل عن الإنتاج خلال الفترة الإنتاجية).

مع خضوع سلعة قوة العمل لقوانين السوق يسعى العامل إلى الاستفادة من قوة عمله خلال هذه الفترة الزمنية المحددة لضمان أمرين: الأول تجديد إنتاجه، أي تجديد نسله، والثاني ضمان بقائه حياً بعد خروجه من العملية الإنتاجية: التقاعد.

ما بين الأمرين يسعى العامل إلى كسب دخل يضمن الأمرين، إضافة إلى مستلزمات بقائه حياً خلال فترة وجوده في العملية الإنتاجية.

بهذه العملية يستكمل نمط الإنتاج الرأسمالي، من خلال استغلاله للطبقة العاملة، ما يمكنه من تجديد نفسه (طبعاً بشكل مبسط) فيدفع الرأسمالي للعامل أجراً يحفظ للعامل هذه الأسس الثلاثة: تجديد النسل، والاستمرار في عملية الإنتاج، ويبقيه حياً بعد خروجه من العملية الإنتاجية حتى تاريخ مماته.

ما بين الطبقة العاملة والبرجوازية يوجد النظام السياسي مشكّلاً الحلقة التنظيمية والواصلة ما بين الطبقتين. وبما أن النظام السياسي حليف الطبقة البرجوازية تكون عملية (تنظيم العلاقة) ما بين الطبقتين في مصلحة الطبقة البرجوازية. ومن مهمات النظام السياسي، لاستكمال (تنظيم العلاقة) بما يتوافق مع مصالح الطبقة البرجوازية، إنتاج الإيديولوجيا المشوهة للوعي الطبقي وتعميمها، لتشعر الطبقة العاملة وكأنها غير مستغَلة (بفتح الغين) ومحمية من أي شكل من أشكال الاستغلال.

كلها أمور منطقية في نمط الإنتاج الرأسمالي، ولكن ما هو غير منطقي أن نمط الإنتاج الرأسمالي لا منطقي حتى ضمن منطقه هو! ما نشهده اليوم من مستويات أجر متدنية لا تكفي لضمان أمر واحد من الأمور الثلاثة، تجديد النسل والبقاء ضمن العملية الإنتاجية وضمان الشيخوخة، لا منطقي حتى ضمن منطق نمط الإنتاج الرأسمالي، ما يتسبب بتصدع أسس أيّ منطق نتحدث به ويقود إلى كارثة محتمة!  

العدد 1102 - 03/4/2024