ما الذي يمكن أن نقول حين نرى؟!

عباس حيروقة:

ما الذي يمكن أن تقوله غمامات السماء وهي تنظر من علٍ إلى تلك النيران التي هبّت وشبّت دون هوادة أو رحمة في غابات مصياف، التي نمت وترعرعت وكبرت تحت أنظارها وسقتها من رحيق روحها لألف ألف عام من رعد ومن برق ومن زغردات، فاخضوضرت وراحت تنشد على مسمع الفصول قصائد الجمال والكمال والجلال؟!

وما الذي انتاب الضوء وهو يجهجه، حين سمع قهقهات النيران وعربدتها المدججة بالفحيح وبالهسيس؟! أخال أن هاله أكثر ما هاله تلك القبائل، قبائل الطيور وهي ترتّل قداديس الماء وترشّها بخشوع كهّان المعابد فوق أعشاشها.. ارتعش حين سمع صرخات استغاثات الفراخ، وبكى طويلاً طويلاً حين رأى ما رأى من موات كائنات خانتها أطرافها وخذلها الوقت.

الضوء أعلن الحداد ونكّس راياته عن مداخل قلاع ما تبقّى من ممالكه ال من صباح.

وما الذي يمكن أن يبوح به النسيم اللطيف اللطيف، الذي تدرّب على الغناء فوق تلال مصياف وبين وديانها ال من ماء حنون وتراتيل ظلال، فأنشد أول مواويله أعشاباً ندية طرية وأطلق مساكب حبق قرانا أسراب دموع؟!

النار.. يا مصياف

ألا تخجل النار من تاريخها وهي تمتد وتمتد تجاه كل هذا الجمال.. الدلال.. الكمال؟!

القلوب التي لم تهدّها سنوات الحرب الطوال العجاف، ولم تهدّها نيران ارتفاع الأسعار وجنونها وشظف العيش وأسئلة الحياة الكبرى.. ها هي ذي النيران وعلى مرأى العالم تأكل آخر ما كان قد يمدّ أرواحنا وأيامنا ببعض ندى يوم قادم أجمل.

ما تبقى لنا من اخضرار الحياة.. فترمدت آمالنا.. أحلامنا، وترمّد معرض الوجود الرباني ببهاء لوحاته.

السماء بكل مفرداتها تئنّ على تلك اللوحة العبثية التي رسمها إنسان هذا العصر، لوحة السواد البهيم.

ما الذي يمكن أن يقوله قمر مصياف الذي كان يتأمل امتداد روحه على أرائك جبالها، يستمد من يناعة اخضرارها قصصاً يتركها كل صباح على نوافذ العشّاق.

ما الذي يمكن أن يقوله وهو يرى كل هذا الدخان الأسود المدفوع بلهبٍ من جنون ومجون تجاهه، فيحجب صورته عمن يحب؟!

ما الذي.. وما الذي يمكن أن يقوله وتقوله مفردات السلام والبهاء والجلال للإنسان الذي أفسد وخرّب ودمّر وشتت وقبّح كل هذا الجمال؟!

ما الذي يمكن أن تقوله الطيور التي ترمّدت قلوبها مع ترمّد أعشاشها الطافحة بالفراخ!؟

ما الذي يمكن أن يقوله النهر الذي حفظ كل أسماء الشجر.. أغصانها.. وكل أسماء الطيور.. الكائنات وهو يرى كل هذا الموت يخيّم حوله!؟

ما الذي يمكن أن يقوله اللهب العربيد وهو يرى الأطفال والنساء والرجال والشيوخ من أبناء مصياف وقراها وهم يواجهون كل هذي النار بوجوههم وبراحاتهم وبالدموع؟!

أخيراً ما الذي يمكن أن يقوله الله جلّ جلاله وعظم شانه لأولئك الذين أشعلوا تلك النيران ونفخوا في كورها من أجل إرضاء نزواتهم الرخيصة الخسيسة.. إنهم أبناء النار؟

وما الذي يمكن أن نقول ونحن نرى ما نرى؟!

العدد 1104 - 24/4/2024