حول مفهوم المواطنة! *

طلال الإمام_  السويد:

مفهوم الانتماء هو مفهوم واسع وقديم قدم وجود الفرد والمجتمعات، أعتقد أن من الصعب حصره بتعريف محدد كونه يتطور مع تطور الحاجات الإنسانية وتطور المجتمعات. لكنني سأحاول وبعجالة الإحاطة ببعض جوانبه.

بدايةً يمكن القول إن الانتماء هو حالة شعور الفرد بالانضمام إلى مجموعة يبنيها مع أشخاص آخرين أو مجموعة ما تقاسمه الرؤية الاجتماعية، الدينية، العشائرية أو الإيديولوجية…

أشكال الانتماء متعددة: الانتماء لأسرة، لمجتمع صغير، لحزب أودين، أو مدينة أو قرية، أو وطن أو للإنساني  وما إلى ذلك. مثلاً هناك الانتماء الجغرافي لمنطقة محددة (الوطن) أو الانتماء للإنسانية (للعالم)

يمكن القول إن مفهوم الانتماء إلى الوطن يعني تلك الحالة والشعور بالانضمام إ إلى بقعة جغرافية كبيرة أو صغيرة، وتكوين علاقة إيجابية والإخلاص مع من يتقاسم العيش في هذه البقعة.

لكن يجري أحياناً خلط بين الانتماء والولاء، عند كثير من الأفراد والمجتمعات، فهم لا يميزون بين الانتماء والولاء، ولا يفرقون بين هذين المفهومين.

نعتقد أن الانتماء الأقوى هو الارتباط بالأرض والوطن والهوية، فمثلاً الانتماء راسخ في جذور الجغرافيا والتاريخ والبيئة، وضارب في أعماق معنى الولاء الحقيقي للوطن، لكن هناك من يخلط بين المفهومين ويقول: ولائي للشخص الفلاني أو الدين أو المذهب أو الطائفة أو العائلة والقبيلة، وهذا ُضعِف ويمس بالانتماء لهوية الوطن أو للإنسانية. من جهتي أعتقد أن الحلقة الأهم في الانتماء حسب ترتيب افتراضي هو أممي للإنسانية، ثم للانتماء الوطني والمجتمعي، ويأتي بينهما الانتماء الديني أو القومي أو الإيديولوجي. لكن ثمة ترابط بينهما.

من لا يخلص مثلاً لوطنه لا يمكن أن يكون أممياً مخلصاً مهما ادعى.

تختلف مظاهر الانتماء بين مجتمع أو بلد وآخر وذلك يعود لمدى التطور الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي لهذا البلد أو ذاك. كما أنه يتجلى بأشكال متفاوتة مثلاً في المجتمعات ذات العلاقات شبه الإقطاعية ليس كما في المجتمعات التي تجاوزت تلك العلاقات إلى مرحلة أعلى. ويلعب النظام السياسي للبلد دوراً في قوة شعور الانتماء أو عدمه. لذلك من الهامّ والضروري قوننة مفهوم المواطنة في دساتير البلدان. الفرد في المجتمعات القائمة على أسس ديمقراطية، مدنية وعلمانية لديه ارتباط قوي بدولته ومجتمعه لأن الحقوق والواجبات لجميع المواطنين متساوية (طبعاً هناك حتى في هذه البلدان تمايزات طبقية في توزيع الثروة الوطنية ولذلك حديث آخر) …أما في المجتمعات التي تقوم على أسس دينية، طائفية أو قومية أو استبدادية فإن الفرد يشعر بالغبن في التعامل لأن تلك المجتمعات تعتبر من لا ينتمي لهذا الدين أو هذه القومية درجه ثانية بل ولا يحق له تولي مناصب معينة.

عموماً يمكن القول أن الانتماء في البلدان العربية مصاب بالوهن والضعف، طبعاً تختلف درجته من بلد إلى آخر. لذلك نرى كيف تستغل القوى الأجنبية التي لها أجندات توسعية أو استعمارية هذا الضعف، فتجد سهولة في تجنيد أبناء الوطن للعمل لخدمتها حتى ولو كان ذلك ضد أوطانهم (الأمثلة كثيرة آخرها ما نشاهده منذ بداية ما يسمى بهبات الربيع العربي) لدرجة صار التعامل مع المحتل والخيانة وجهة نظر. إن الاستبداد والفساد لهما أيضاً دور كبير وأساسي في ضعف الانتماء الوطني.

أخيراً إن تعزيز الانتماء الوطني والإنساني يتطلب العمل من أجل مجتمعات مدنية، علمانية وديموقراطية تحترم مواطنيها وتعاملهم بشكل متساو في الحقوق والواجبات.

إضافة إلى محاربة الفقر، الاستبداد، الفساد، الجهل ومختلف أشكال التطرف الديني أو الطائفي تحت أي مسمى جاء.

* مساهمة قدمت إلى التجمع العربي للتنوير.

العدد 1102 - 03/4/2024