رسالةٌ من إنسانٍ سوريٍّ إلى هيئات حقوق الإنسان

إيناس ونوس:

يا أيُّها المنظِّرون.. كفى!

عن أيَّة حقوقٍ تتحدَّثون؟

فمنذ الصَّباح الباكر، حين أخرج قاصداً العمل ولا أعود إلّا في الهزيع الأخير من اللَّيل.. أين حقِّي؟

وحين أركض هنا وهناك، وأعود خاوية الوفاض.. أين حقِّي؟

حين أُجبر نفسي على عدم سماع رغبات أولادي لأنِّي غير قادرٍ على تلبيتها… أين حقِّي؟

وحين أقف في منتصف الطَّريق أحصي ما في جعبتي من مالٍ قبل أن أفكِّر: هل أشتري طعاماً أم لا.. أين حقِّي؟

حين أتهرَّب من زملائي في الجامعة إن رغبوا بالاجتماع واحتساء فنجانٍ من القهوة في أبسط مقاهي البلد، لأني لا أملك ثمنه.. أين حقِّي؟

حين أخلد للنَّوم قسراً كي أتهرَّب من الذَّهاب إلى زيارة صديقتي المريضة، لأنِّي لا أملك ما يؤهِّلني لأن أقوم بواجبي تجاهها.. أين حقِّي؟

حين أصرخ في وجه أطفالي: كفاكم طلباتٍ، وأنا أدرك في أعماقي أنَّهم يطلبون حاجاتهم الضَّرورية.. أين حقِّي؟

حين يوبِّخني أهلي على مصروفي الزَّائد، لأنِّي اشتريت دفتراً للمدرسة.. أين حقِّي؟

حين أودِّع أبنائي في المطارات، وأتمنى لهم حياةً رغيدةً في بلادٍ بعيدةٍ، كي يتمكَّنوا من تأمين معيشتهم.. ومعيشتي.. أين حقِّي؟

وحين لم أعد أتمكَّن من مساعدة فقيرٍ في الشَّارع، أو محتاجٍ، أو عجوز، لأن الخوف من المصائب والكوارث بات يسكن قلوبنا جميعنا… أين حقِّي؟؟

حين أتظاهر بالقوَّة وأتصنّع الابتسامة كلَّ صباحٍ، بعد ليلةٍ ملأى بالقهر والدُّموع والخوف من الغد.. أين حقِّي؟!

حين أتشبَّث برفضي لأيِّ تنازلٍ، في وقتٍ لم يعد للأخلاق فيه أيُّ اعتبار.. أين حقِّي؟

حين ترميني البلد، فأترك الأهل والأصدقاء والذِّكريات، هائماً في مهبِّ الرِّيح… لأرحل بحثاً عن حلمٍ ربَّما يتحقَّق في مكانٍ ما، وفي جعبتي الكثير من الشَّهادات والخبرات.. أين حقِّي؟

حين يضيع العمر هباءً أمام ناظري، ولست بقادرٍ على تأمين غرفةٍ تأويني مع من أحبُّ.. أين حقِّي؟

حين تتفوَّق مشاعر الحزن والغمِّ والخوف على مشاعر الفرح، لعلمي بأنِّي سأصبح أباً أو أماً.. أين حقِّي؟

وحين أخاف أن يمرض أطفالي أو أمرض أنا.. أين حقِّي؟

حين أُفاجأ بأن ابني يهرب من المدرسة كي يساعدني في مصروف البيت.. أين حقِّي؟

وحين يصبح الحصول على أبسط حاجة أو رغبة عيداً.. أين حقِّي؟

حين يصبح كلُّ شيءٍ محالاً، حتى النَّفَس، حتى الهواء، حتى الحلم والأمل.. أين حقِّي؟؟

فلتخرسوا جميعاً، كفاكم تنظيراً ولهواً بقلوبنا المحروقة!

العدد 1102 - 03/4/2024