مشروع موازنة 2021 .. مضاعفة الحجم وارتفاع العجز وغموض في احتساب الدعم
بشار المنيّر:
قدّمت الحكومة بيانها المالي حول مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2021، في ظل الأزمة التي ما تزال تداعياتها تعصف بسورية، وهي ظروف استثنائية بجميع المقاييس، فمفاعيل هذه الأزمة، وبخاصة الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضه التحالف الدولي المعادي لسورية، بقيادة الإمبريالية الأمريكية، والعقوبات الاقتصادية التي توّجت بفرض (قانون قيصر) الجائر، والخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الوطني بفعل غزو الإرهابيين الذين دمّروا البشر والحجر والشجر، تركت تأثيرها السلبي، على مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد، وتأثرت به القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة، إذ تقدر قيمة الأضرار الناتجة عن مفاعيل هذه الأزمة حسب الخبراء الاقتصاديين بنحو 400 مليار دولار. ودخل الاقتصاد الوطني مرحلة ركود انعكست لا على المؤشرات الاقتصادية كالناتج المحلي الإجمالي، ونسب النمو، والدين العام، وحجم التجارة الخارجية، وقيمة الليرة السورية مقابل العملات العالمية الرئيسية فقط، بل انعكست أيضاً على الأوضاع الاجتماعية لجماهير الشعب السوري، وخاصة الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة، إذ ارتفعت نسب الفقر والفقر المدقع والبطالة والهجرة والتسرب من التعليم.
جاء في بيان الحكومة المالي حول مشروع موازنة ،2021 حزمة من الأوليات التي ستتركز عليها جهود الحكومة في العام القادم، ولعل أبرز الهموم الغائبة عن هذه الأوليات هو الهمّ المعيشي الذي بات يؤرق الفئات الفقيرة والمتوسطة، وتحول إلى كابوس مرعب، إذ وضعت الحكومة في بيانها المالي (تحسين الوضع المعيشي) في المرتبة الخامسة من أولويات مشروع الموازنة!!
بلغت اعتمادات مشروع الموازنة 8500 مليار ليرة سورية، أي بزيادة قدرها 113% عن موازنة عام 2020، منها 7000 مليار للعمليات الجارية، و1500 مليار للعمليات الاستثمارية.
السمة البارزة في مشروع الموازنة هي تضخم الاعتمادات، الناتج عن تراجع قيمة الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، إذ جرى اعتمادها استناداً إلى سعر صرف يعادل 1250 ليرة سورية للدولار الواحد بدلاً من 435 ليرة سورية للدولار الواحد، وهي تعادل نحو6 مليارات و 800 مليون دولار حسب السعر الرسمي، مقارنة مع نحو 9 مليارات دولار في موازنة العام الماضي، مع أخذ فارق السعر الرسمي للدولار بالحسبان.
يأتي مشروع الموازنة بعد مؤشرات تشير إلى تقليص تأثير أدوات الحكومة على الأسواق، وتخفيض الدعم الحكومي. ونكرّر هنا ما نبّهنا إليه دائماً، إن تهميش تحسين الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وخلق مناخ اقتصادي واجتماعي يغضب الجماهير الشعبية في الدول النامية المعادية للاستعمار والإمبريالية، كان هدفاً سعت إليه الولايات المتحدة منذ عقود، بهدف تقويض الأنظمة السياسية في هذه الدول، والاستعاضة عنها بأنظمة موالية، لذلك طالبنا مراراً بدعم الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تعد الحامل الرئيسي لصمود سورية أمام غزو الإرهاب التكفيري، وهي اليوم الضامن الأكبر لطرد المحتلين الصهاينة والأتراك والأمريكيين من التراب السوري.
تعد الموازنة العامة للدولة خطة مالية، اقتصادية، اجتماعية، لعامٍ قادم، وبهذا المعنى فهي تعبِّر عن نهج الحكومة للتأثير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد ما، وهي أداة تستخدمها هذه الحكومة للتأثير في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتنفيذ سياستها الاجتماعية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار، وتؤدي الموازنة في الدول الساعية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دوراً رئيسياً في إعادة توزيع الدخل الوطني بين فئات المجتمع، وذلك باقتطاع نسبة من أرباح ودخول الفئات الأكثر دخلاً، وتوزيعها على مشاريع تستفيد منها جميع الفئات الاجتماعية، كمشاريع البنية الأساسية والتعليم، والإنفاق الاجتماعي على الفئات الأكثر فقراً، لكن ما عبّرت عنه وزارة المالية حول اعتماد الموازنة على الإيرادات الجارية، أي الضرائب والرسوم التي بلغت نحو 3500 مليار، مرتفعةً من 1400 مليار عن عام 2020، يثير القلق، فمادام الاقتصاد السوري مازال يعاني من الركود، فالبديل هو جيوب المواطنين، وهنا يكمن تخوفنا من رفع معدلات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لتدارك تراجع الإيرادات العامة، وعدم كفاية الفوائض الاقتصادية.
ملامح الموازنة العامة للدولة لعام 2021
بلغ الحجم الإجمالي للموازنة 8500 مليار ليرة سورية، بزيادة تبلغ 4500مليار ليرة عن موازنة عام 2020، خصص منها مبلغ 7000 مليار للإنفاق الجاري بزيادة بلغت 4300 مليار، و1500 مليار للإنفاق الاستثماري، بزيادة بلغت 200 مليار عن موازنة عام 2020، والسؤال هنا: كيف ستحقق الحكومة الفوائض الاقتصادية في ظل تدني النفقات الاستثمارية نسبة للنفقات الجارية؟ كنا نتوقع أمام حجم الوعود الواردة في بيان الحكومة أمام مجلس الشعب، أن تكون الأداة هي زيادة الاستثمارات، كي تحصل الحكومة على مزيد من الإيرادات، فالنفقات الجارية لا تؤدي إلى زيادة إيرادات الحكومة.
أولاً- الاعتمادات الجارية
1- بلغ إجمالي الدعم الاجتماعي الإجمالي، حسب ما جاء في بيان الحكومة المالي، نحو 3500 مليار ليرة سورية، رغم انخفاض دعم المشتقات النفطية بعد أن رفعت الحكومة أسعار البنزين إلى الضعف، ورفع سعر المازوت الخاص بالصناعيين، الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع السلع المصنعة وطنياً، وسيزيد من أعباء الفئات الفقيرة والمتوسطة. وخصص لدعم الدقيق التمويني والخميرة 700 مليار ليرة، بزيادة قدرها نحو 360 ملياراً عن عام 2020، رغم رفع الحكومة سعر ربطة الخبز إلى 100 ليرة، ورغم معاناة المواطن السوري في الحصول على الرغيف، ويتساءل الكثيرون: هل مبالغ الدعم الواردة في مشروع الموازنة واقعية؟ وكيف يجري احتساب تكاليف هذا الدعم؟
2- خصص نحو 728 مليار ليرة كاعتماد مخصص للرواتب والأجور، بزيادة بلغت نحو 226 مليار ليرة عن موازنة العام الماضي، وبلغت فرص العمل التي ستوفرها الموازنة 47505 فرصة في القطاع الإداري، وهي لا تتناسب مطلقاً مع عدد طالبي فرص العمل الذي يقدر بنحو 230 ألف فرصة عمل سنوياً، وهذا ما يتطلب زيادة استثمارات الحكومة في قطاعها الصناعي والإنشائي لخلق فرص عمل جديدة. فالقطاع الخاص لا يمكنه توفير هذه الفرص، كما أنها ليست من صلب مهامه بالأصل.
3-لم يكشف مشروع الموازنة الطريقة التي يعتمد عليها في حساب مبالغ الدعم المختلفة، ففي كل موازنة يتم حساب هذه المبالغ بطريقة مختلفة، ونسأل هنا: بعد زيادة أسعار البنزين والمازوت والغاز والخبز، هل ما زالت الحكومة تدعم أسعار المشتقات النفطية والرغيف؟!
ثانياً- الاعتمادات الاستثمارية
1_ بلغت اعتمادات الإنفاق الاستثماري 1500 مليار ليرة، بزيادة بلغت 200 مليار عن موازنة 2020، أعطيت الأوّلية لمشاريع الكهرباء والمياه ومشاريع الإدارة المحلية والزراعة، وهو توجه ينسجم مع احتياجات المرحلة، وكنا وما زلنا نطالب بدعم الصناعة التحويلية في القطاع العام الصناعي، بعد أن همشت مشاكل هذا القطاع في العقد الماضي، وهذا لا يتحقق دون زيادة الاستثمارات الحكومية في معامله ومصانعه وتطويرها وإنشاء صناعات جديدة.
3- تم زيادة اعتمادات النقل بنحو 25 مليار ليرة سورية عن موازنة العام الماضي، ونأمل أن تكون هذه الزيادة في إطار معالجة معاناة المواطنين السوريين في جميع المدن من أزمة التنقل والانتقال، بسبب غياب قطاع النقل الحكومي، ونتمنى أن تحول هذه الاعتمادات إلى شراء وسائل نقل جماعية، وأن لا يخصص منها لشراء السيارات السياحية للمسؤولين والمحظوظين.
4- خصص ضمن الاعتمادات الاستثمارية مبلغ 587 مليار ليرة كاعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية، ونأمل أن تصرف هذه الاعتمادات، على تكملة المشاريع الاستثمارية، وإقامة مشاريع جديدة. نحن مع تنفيذ المشاريع المحددة في الموازنة بتكلفتها الواردة فيها، والتدقيق في كل كلفة إضافية، ومتابعة مراقبة تنفيذ هذه المشاريع عن طريق تقارير التتبع الربعية، واستخدام هذا الاحتياطي لإصلاح القطاع العام الصناعي، وإنشاء مشاريع صناعية جديدة.
ثالثاً- الإيرادات العامة
بلغت الإيرادات المقدّرة في المشروع مبلغ 6016 مليار ليرة سورية، مرتفعة من 2545 مليار ليرة في موازنة 2020، منها 3507 مليارات إيرادات جارية و2509 مليارات إيرادات استثمارية.
صحيح أن تراجع الإيرادات العامة الناتج عن مرحلة الركود التي يمر بها اقتصادنا الوطني يمارس تأثيره على الإنفاق الجاري والاستثماري للحكومة خلال السنوات العشر الماضية، ويحجم دورها في خلق فرص العمل، وزيادة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية العامة، لكن هذا التراجع يمكن التخفيف من آثاره عن طريق تحفيز المشاريع الصغيرة، وتعديل التشريعات الضريبية وملاحقة المتهربين ضريبياً.
1-بلغت الضرائب والرسوم المباشرة 1070 ملياراً، مرتفعة من نحو 345 ملياراً في موازنة العام الماضي، وهو أمر إيجابي، وارتفعت قيمة الضريبة على الأرباح والريوع للقطاع الخاص من 125 إلى 488 مليارا، لكن هناك من استغل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، وراكم أرباحاً فلكية بواسطة رفع أسعار المواد والسلع الأساسية، مما يستوجب ملاحقته ضريبياً، كذلك نرى أهمية ملاحقة المتهربين المزمنين من دفع ضرائب الأرباح والريوع والدخل المقطوع، بهدف زيادة حصيلة الضرائب المباشرة التي تعد الضريبة الأكثر عدلاً، وتخفيض الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تُفرض على الجميع دون الأخذ بالحسبان الفوارق بين الأغنياء والفقراء، ونرى أهمية تعديل التشريعات الضريبية باتجاه زيادة معدل الضريبة المباشرة على الأرباح الحقيقية.
2 – بلغت الضرائب والرسوم غير المباشرة 1470 مليار ليرة سورية، مرتفعة من 467 مليار ليرة، عن عام 2020، وهي زيادة كبيرة سيدفعها المواطنون بغض النظر عن قدراتهم المادية، أي يتساوى في دفعها الفقير والغني، وهي ضريبة غير عادلة، وهنا نكرر ما سبق أن ذكرناه مراراً: إننا مع زيادة الضرائب المباشرة على الأرباح والريوع، وتخفيض الضرائب غير المباشرة.
رابعاً- عجز الموازنة
كيف السبيل إلى خفض العجز في مشروع الموازنة البالغ نحو 2484 مليار ليرة سورية؟ هل عن طريق سندات الخزينة، أم اللجوء إلى القروض، أم فرض ضرائب ورسوم جديدة تزيد من أعباء المواطنين؟
مشروع الموازنة وضع بعض الخطوات: كزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وزيادة الفوائض الاقتصادية، وترشيد الإنفاق العام، ووقف الهدر، وتوجيه الدعم الحكومي لمستحقيه، وإجراءات أخرى، لكن هذه الخطوات غير كافية حسب اعتقادنا، لذلك نرى ضرورة وقف التكسب من الأموال العامة، ومكافحة الفساد الذي يفوِّت على خزينة الدولة مليارات، وترشيد استيراد المواد والسلع من الخارج، وعودة الدولة بقوة إلى ممارسة دورها في العملية الاقتصادية إنتاجاً وتسويقاً داخلياً وخارجياً عن طريق مؤسساتها المتخصصة التي همشت في العقد الماضي، وحل مشكلات القطاع العام الصناعي، وتسهيل إقراض الصناعيين الصغار والحرفيين وأصحاب المعامل والورش الصناعية الصغيرة في المناطق الآمنة.
خامساً- المشاريع الواردة في مشروع الموازنة
كما جرت العادة في كل مشروع للموازنة، تدرج الوزارات مشاريعها، لكن من يراقب، ومن يتابع تنفيذ هذه المشاريع؟ من يحاسب؟ وهل توجد لدى الحكومة آلية لمتابعة تنفيذ هذه المشاريع وتحديد المسؤوليات؟
1-نقترح إنشاء مصانع للعلف والسماد في أكثر من محافظة، بعد أن خضع المزارعون والمربون لتحكم التجار بأسعار السماد والعلف المستورد.
إنها ملاحظات سريعة على مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2021، التي وضعت متأثرة بالظروف الصعبة في البلاد، بعد أزمة عاصفة وحصار ظالم وتدخّل مباشر من الحلف المعادي لسورية، وغزو إرهابي سعى إلى تهديم كل ما بنته الأيدي السورية الخيرة على مدى عقود، ونحن على يقين بأن إنهاض اقتصادنا الوطني مرتبط أولاً بنجاح المساعي الدولية لحل الأزمة السورية سلمياً، وثانياً بالعمل على إعادة الإعمار بعد نجاح المساعي السلمية وفق خطة حكومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة، والاعتماد على الإمكانات الذاتية الكامنة في قوة وصلابة شعبنا، ومواردنا الغنية، وأيضاً على مساعدة الدول الصديقة.
basharmou@gmail.com