الانتقاء للارتقاء

الدكتور سنان علي ديب:

ما زال المواطن يكتوي بنيران الغلاء غير المرغوب بتخفيضه وسط قدرة شرائية محدودة لا تكفي جزءاً قليلاً من السلع الغذائية والاحتياجات الضرورية، ولن نخوض هنا بتعدد العوامل التي أوصلت إلى هذا المكان، ولن نخوض بتكتيكات وسياسات حافظت على الكيان وسط تكالب إرهابي خطير وسوداوية استغلت المجال الاقتصادي لنيل غايات غير منطقية وغير قابلة للحل، وسط تعقيدات اللعبة الدولية ووسط البنيوية الداخلية ووسط الحق والباطل و الصواب والضلالة، ووسط عقلية أثبتت فشلها وغباءها كونها لا تعتمد للواقع ولا تحابي الخصوصية السورية وبناها رغم ما حاولت فعله أدواتها بإدارة أممية لتدمير البنى الداخلية لفرضها البنى المتعددة، ولكنها قوضت لدى الأغلبية، والآخر ينتظر الوقت المناسب لطيّها وسط طرق صغيرة تقود لهذا المسار، عقلية قتل الحكومة وأذرعتها للتحكم بالأدوات الاقتصادية وتشويه أدوات العلاج التي كثيراً ما تكون صحيحة بالتنظير، ونرى الفعل عكسها وذا نتائج كارثية، وهذا ما جعلنا نستمر بالرد على من تعب وهو يبحث عن هوية للاقتصاد بغايات مختلفة، البعض رفاهية فكرية تنظيرية، والبعض تمهيد لعرض رؤى لقوالب جاهزة تحابي أدوات معينة، والبعض يعدها مساراً لأبعاد أكثر من اقتصادية، وهو ما وجدناه بموجة الانقلابات الجذرية لحملة أفكار شيوعية أو اشتراكية باتجاه ليبرالية لم يفهموا معناها لأنهم أثنوا على مسار يدعي الليبرالية وهو محاباة لاحتكارات تقوض الإدارة الحكومية للاقتصاد وللدولة و تسير باتجاه خصخصة واضحة أو مبطنة ولأدوات محددة، وأهم ادواتها تخسير القطاع العام ومنع إصلاحه ومنع الاكتفاء الذاتي وضرب الاكتفاء الغذائي، وما زلنا ندفع الثمن، وتتضح أدوارهم التنظيرية لاحقاً عبر التخندقات السياسية، وتبقى الأدوات الاقتصادية هي أدوات القتال المستمر لفرض الوجود وعودة الاستقرار والأمان والسيادة ودحر الاحتلال واستعادة الأراضي والثروات التي هي ركيزة نهبت لفرض ما هو أبعد من الرؤى المنبثقة من الواقع والحاجة السورية.

ما نناقشه خاضع لأسلوب الإدارة و للبرامج التي توضع لتقويض الأهداف اللاوطنية المبطنة للتغيير المرغوب به ولم يمت، والذي يحابي نماذج لكيانات كانت بلدان قوية وغدت أمكنة فوضى وصراعات ومعاناة، وبالتالي ومع قرب التغيير الحكومي الحاجة ماسة لبرنامج متكامل وفق الإمكانات والحاجات تبعاً للأزمة الخانقة والحرب القذرة ولما وصلت إليه الحالة المعيشة من معاناة بعز الاحتلال والحرب و سرقة الثروات وحرق المحاصيل واللعب بسعر الصرف و تبذير علني للعملة الصعبة، وبالتالي لا وقت للتنظير حول أي هوية اقتصادي نحن نسير وفقها، بل لبرنامج عارف بالثغرات والصعوبات وقادر على الإحاطة بالفساد وجذب الحوالات عبر تسويات وطنية وعبر تسهيلات ويعيد المال السوري ويشجع المستثمرين السوريين ويقضي على الاحتكار واللعب بسعر الصرف، وتثبيته وفق سعر وطني، ووسط دعم حقيقي للطاقات الإنتاجية من زراعة وصناعة وسياحة ترتبط بالأمان والتسويق الصحيح، وعدم السير وسط ضغوط وأنانيات من يقتل المحلي ليكون الاستيراد نبعاً مالياً ولو عانى أغلب الشعب.

ليس مهماً هوية الاقتصاد: شيوعية أو اشتراكية أو ليبرالية، ولكن ما يهمنا برنامج منتقى وأدوات منتقاة قادرة على السير به وقادرة على المواجهة على كل الجبهات والأدوات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية.

وسط المعاناة الكبيرة للأغلبية الوطنية لا وقت للتنظير، والعمل والسلوك هما مرآة التقييم.

العدد 1102 - 03/4/2024