من حقبة إلى حقبة | أحلام العربي ما زالت مدفونة؟!

وعد حسون نصر:

كأنما كُتِبَ على العربي أن يدفن أحلامه في صحراء أرضه القاحلة بسبب نار الحروب المُدمّرة بسلاح الحقد، كأن التاريخ كل خمسين عاماً يريد بنا أن نعود إلى نقطة الصفر، وإبقاء ذلك العربي فقط أسير ثوبه الفضفاض وسكين الصيد القديمة، كأنهم لا يريدون لنا أن ندخل أبواب الحضارة ونكبس أزار المستقبل لننفتح على التقدم.

ما السبب في بقاء بلادنا تحت رحمة سفاح يريد أن يدوس علينا ليشمخ بكل ما يملك؟! لم يبقَ سلاح إلاّ وجُرِّب على هذه الأرض، حتى السماء لم تسلم، فقد فجّروا فيها قذاراتهم ونثروا علينا الوسخ لنشتمّ فقط رائحة الموت، وبحرنا اغتالوا الروح فيه فغدا ميتاً مُعتماً، وبدل لون الزرقة لبس السواد، ونتساءل بقهر:

ماذا فعلت أيها العربي لتتشح حياتك بالسواد؟ هل كان السبب فساد حكّامك الذين قسّموا وطنك وباعوه ليبقوا على الكراسي مُحصّنين تمتلئ بطونهم بالطعام بينما عقولهم خاوية، يُكدّسون المال وأنت تركض نهارك خلف ليلك لتؤمّن قوتك وقوت أولادك؟!   

هل السبب هو الدين الذي شدّوا من خلاله الوثاق على عنقك لتبقى أسير المجهول، تقتل باسم الدين وتُدمّر باسمه، وتُحلّل وتُحرّم كذلك تحت خيمة الدين!؟

أم هي نعمة اللون الأخضر في ربوعك، والأنهار والبحار والفصول والبترول انقلبت نقمة عليك وطمع بك الغرب، استغلوا بساطة تفكيرك وطوقوك ببراثن من حقد ومكر ودهاء ليستولوا على خيرك ويجعلوا من أرضك مستعمرة؟

فمنذ بزغ التاريخ يعيش العرب فتوحاتهم، ينتصرون في البدء ويكتبون الأمجاد ويرفعون أقواس النصر ويصدّرون الأطباء والمفكّرين والشعراء والقادة، وعندما تشمخ الدولة وتزهو بكل قطّاعاتها يوسوس الطمع في نفوس حكّامها وجيلهم الخامس من المرتزقة، وهنا ينخر وسواس الطمع فيسمحون للغرب أن يدخل أمجادهم، فيعلّق صوره على جدران حضارتهم، يقاسمهم زيتهم وزيتونهم ودبسهم وتينهم، يضخُّ بترولهم في أراضيه ليتدفأ هو بينما أجساد أطفال العرب ترتعش من البرد والجوع والقهر والظلم، وهكذا يستمر الظلم، إلى أن تنهض فئة حرّة لا ترضى الظلم تُعيد ترميم ما أفسده السفهاء، وتتالى الحضارات حضارة تلو الأخرى ويبقى العرب كلما وصلوا للقمة تنهار بهم ليعودوا  للقاع من جديد!! أي غضب كُتِبَ عليك أيها العربي؟ لماذا تجُرُّنا دائماً يد الفتنة لنحفر قبورنا بأيدينا؟ لماذا أوهمونا أننا خير أمّة، بينما نحن أشقى أمّة؟!

المجد لا يُبنى بالتعويذات، ولا القلاع تُحمى بالابتهالات، ولا المريض يشفى بالبخور وتمتمة المُعوّذات والبسملة!!

لنصنع مجدنا، علينا بالشرفاء من قادة وجيوش وحتى علماء، علينا بجيل تربّى على حب القبيلة والعشيرة، محفور بفكره أن زرع شجرة يُطعم قبيلة، وأن حفر بئر يروي واحة ويسقي الناس دهراً، وأن فتح مستشفى يعالج المرضى ويحمي الكل، وهنا تعيش فكرة التشارك، فلا يمكن أن تهزم مجتمعاً تأسّس على التشارك والواحد هو الكل والكل هم واحد.

لكن للأسف، بلادنا دائماً تُبنى من الجيل الخامس جيل الفساد والدمار ومرتزقة البلاط، لهذا السبب نعود للبداية دائماً، ويأخذ الموت بيدنا نحو القبر نحفره بأيدينا لنا ولأبنائنا، شقاء رسم على الجبين الأسمر منذ ولادة التاريخ وتتحوّل أيدينا إلى معاول نحفر بها القنوات لنمدَّ الماء من بلاد النيل ليشرب الغرب ويروي عطشه من عرقنا، ونزرع بهذه الأيدي حقول القمح والليمون بأرض القدس ويحصدها بنو إسرائيل، ونكتب بالأيدي نفسها المجد على جدران بابل فيقرأه الأمريكي في العراق، نقطف القات بهاتين اليدين من أرض اليمن ويذوق زهوته البريطاني بصنعاء، أيدينا التي زرعت الصحراء في ليبيا وفجّرت نهرها العظيم وسط هذه الصحراء لتنثر البذور وتورق الأشجار، وهذا البريطاني أكل وشرب من يدنا وأخرجنا جياعاً عطاشاً، فهدم الروح فينا وكأن كل هذا ما جنته سوى أيدينا.

وفي سورية زرعنا الحب.. زرعنا الأمل وزرعنا الفرح.. نثرنا حبوبنا فشبع الطائر قبل البشر، وكان الحصاد على يد مرتزقة من كل الجنسيات شبعت ورقصت وفرحت هي بينما نحن حملنا المجرفة وحفرنا قبورنا وقبور أولادنا بالعراء، كتبنا بالدم تاريخنا الأسود لمستقبل أبنائنا، وصبغنا شجرنا بلون الرماد.. مات الإنسان فينا نحن السوريين كما مات العربي بجسد كل الأعراب، هكذا باتت حياتك أيها العربي كل خمسين أو مئة عام تعود من جديد للشقاء!

العدد 1102 - 03/4/2024