حلف الأطلسي وأمن أوربا

د. صياح عزام:

منذ أن وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، تغيرت نظرة الولايات المتحدة إلى القارة الأوربية برمتها، وحاول الانسحاب من (حلف الناتو) باعتباره من وجهة نظره يكلف بلاده الكثير من الأموال وعديم الفائدة لها، لاسيما أنها تشارك في الجزء الأكبر من عديد قواته، وتغطي القسم الأكبر من تمويله، إلا أنه بسبب الظروف وتطورات الأحداث وتفجر الصراعات في أنحاء مختلفة من العالم، والصعود الروسي والصيني، وجد ترامب أن من مصلحة واشنطن البقاء في الحلف، بشرط أن تقوم الدولة المنخرطة بالمساهمة في تمويل الحلف بنسبة 2٪ من ناتجها القومي.

مؤخراً وفي هذا السياق، جاء قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا، في ظل تنامي الخلافات بين الجانبين الأمريكي والألماني حول الكثير من السياسات الأمريكية في العالم، بسبب محاولات الولايات المتحدة المستمرة الهيمنة على القرار الأوربي، والاتهامات التي يوجهها ترامب بين الحين والآخر للقارة الأوربية، وحروبه الاقتصادية المستعرة ضد الصين وروسيا ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.

وبعد امتناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن المشاركة شخصياً في قمة (مجموعة السبع) أعلن ترامب مباشرة عن تأجيل القمة المذكورة.

وحسب التقارير فإن خطة ترامب حول هذا الأمر تقضي بسحب 9500 جندي أمريكي من أصل 34500 جندي موجودين في ألمانيا.

وحول ذلك اعتبرت وزيرة الدفاع الألمانية أنجيريت كرامب كارينباور أن سحب القوات الأمريكية من ألمانيا سيؤدي إلى إضعاف حلف الناتو والولايات المتحدة نفسها، ويلحق الضرر بهما أكثر مما يلحق الضرر بدفاع ألمانيا عن نفسها. أما منسق الحكومة الألمانية للعلاقات الألمانية مع حلف الناتو، فقد عقّب على ذلك بأن الأمر، فيما لو تحقق، من شأنه أن يكسر الجسور عبر المحيط الأطلسي، والأسوأ من ذلك أن ألمانيا التي كان يتمركز فيها مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين لمواجهة احتمال غزو سوفييتي، تحولت في أوقات لاحقة إلى مركز للعمليات العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، إذ توجد فيها الكثير من القواعد المختلفة برية وجوية، ومقرات قيادة، ومناطق تدريب ومنشآت عسكرية أخرى تعود للولايات المتحدة ومنها على سبيل المثال:

– قاعدة (راما شتاين الجوية) البالغة الأهمية بالنسبة للعمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا.

– مقر القيادة الجوية الأمريكية في إفريقيا وأوربا.

– مقر كل من القيادة الأوربية الأمريكية والقيادة الأمريكية الإفريقية في (شتوتغارت).

– مقر الجيش الأمريكي في أوربا الكائن في (فيسبادن) وقاعدة للطائرات من طراز (إف 16) في سبانجدام، ومنطقة التدريب (جرانفور)، وبالتالي فإن مثل هذه الخطوة الأمريكية تطرح العديد من التساؤلات حول تداعيات وتأثير هذه الخطوة على حلف الناتو، وعلى البيئة التحتية في أوربا، وعلى العلاقات الأمريكية – الأوربية بشكل عام، خاصة أن الرئيس ترامب ينظر إلى القارة الأوربية نظرة متعالية إن لم نقل نظرة ازدراء، ويحرص على أن تبقى الدول الأوربية وخاصة الوازنة منها مثل ألمانيا وفرنسا تدور في فلك السياسة الخارجية الأمريكية، وألا يكون للأوربيين قرارهم المستقل والسيادي.

جدير بالذكر أن واشنطن كانت ومازالت توظف حلف الناتو لصالحها، فهي تستخدمه في مناطق التوتر والبؤر الساخنة التي تختلقها في العالم، وأيضاً تستخدمه في الضغط على حلفائها وعملائها لتحقيق أهداف سياسية محددة.

على أية حال تبقى خطة ترامب هذه حول سحب القوات الأمريكية من ألمانيا خاضعة لمزاج الرئيس ترامب المعروف بتقلباته وبالعودة عن قرارات كثيرة اتخذها ثم تراجع عنها، ونتذكر جميعاً كيف أعلن عن عزمه سحب قوات بلاده من سورية، ثم تراجع عن ذلك، بل عززها وكلفها بسرقة حقول النفط السوري بالتعاون مع بعض الجماعات الكردية الانفصالية.

العدد 1102 - 03/4/2024