لكلّ زمنٍ روّاد

وعد حسون نصر:

هذا ما ينطبق على الأجيال، فلكل حقبة زمنية جيلها من الشباب، وهناك هوّة كبيرة تفصل بين الآباء وأبنائهم، أو بعبارة أخرى بين جيلين أو ثلاثة، هذا الأمر ليس وليد السّاعة، وإنّما تعود أولى بوادره إلى بداية الخلق، وظهور أوّل إنسان على وجه المعمورة، فقد كان هناك صراع بين الأجيال الحديثة والقديمة منذ الأزل، إذ يرى الكبار أنّ الأجيال الجديدة والفتيّة تمثّل الانحلال الأخلاقيّ بكلّ معاييره، كما أنّهم يرونها أجيالاً كسولة لا تصلح لشيء. إنّ هذا الانطباع ليس بالضّرورة صحيحاً، فلكلّ جيل متطلّباته وهو يرى أنه ليس مُجبراً على العيش كما عاش أسلافه.في الجانب الآخر، يتّهم الشّباب من يكبرهم سنّا بالتّخلّف والرّجعية، وهذا أيضاً مفهوم خاطئ، لا يمكننا لوم آبائنا وأجدادنا على تعوّدهم على أسلوب حياة ليس مشابهاً للذي تعودّنا عليه نحن، ومن غير المنصف لهم أن نطالبهم بالتّجرّد من ذاكرتهم وهويّتهم لكي ينضمّوا إلى عالمنا، فمن شبّ على شيء شاب عليه، وليس لنا الحقّ في الحكم عليهم دون أن نحاول حتّى فهمهم عوضاً عن صدّ كل ما يأتينا من طرفهم، يجب أن نحاول الاستفادة من خبراتهم في الحياة ومن تجاربهم لسدّ الثّغرات لدينا، وبالتالي لابدّ للأهل أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم واحتضانهم كي لا يقعوا فريسة العالم الخارجي لمجرد سماعهم كلاماً حسناً من خارج المنزل، كذلك حتى لا يسرق العالم الافتراضي أبناءهم ويجعل منهم أسرى أفكاره الإلكترونية الخاطئة.

حاولوا أيها الآباء أن تعطوا أبناءكم الحب كي لا يأخذوه من غيركم بطريقة مشوّهة مجبولة بالاستغلال.

وليعلم جميعنا أننا كلما تقدمنا بالعمر أكثر فلن تعجبنا تصرفات كثيرة وخاصةً تصرفات أبنائنا أو إخوتنا الأصغر منّا سنّاً، مع أن الأمر طبيعي جداً، فعندما كنّا في أعمارهم كنّا نتصرف هذه التصرفات والسلوك ذاته، وكنّا نتذمّر عندما ينتقدنا الأهل ونرفع أصواتنا في وجوههم لأننا نرى أنهم يقمعون حريتنا. أنا لا أشجّع على الاستهتار بمراقبة أبنائنا كي لا يأخذهم الاستهتار للهاوية حين لا ينفع الندم، لكن علينا أن نكون قدر المستطاع على وعي أن الظروف حولنا تغيّرت والحياة اختلفت، وباتت وسائل التواصل متاحة للجميع، والأبناء خاصةً اليافعين ينجرّون وراء مغرياتها، كذلك الفضائيات وما تقدمه من أفلام عن النجوم والموضة وغيرها جعلت من الأبناء متلقّين ومقلّدين بشكل خطير، ولكي نستطيع الحدّ من هذا الانجرار لمثل هذه الترّهات، علينا أن نأخذ أطفالنا بين أيدينا وبرحابة صدر كي لا نخسرهم تحت ما يُسمّى انفتاح على العالم، نشدُّ الحبل لهم من جهة، ومن جهة أخرى نرخي الطوق لكي نريحهم، وهنا يكون التوسط والاعتدال الذي يُمكّننا من  توجيههم الوجهة الصحيحة. لذا، يجب أن تكون العلاقة بين الأجيال علاقة تكامليّة لا عدائيّة، التّواصل والحوار يلعبان دوراً فعّالاً في التّقريب بين مختلف الشّرائح العمريّة، وسدّ الفجوة التي تأخذ في التّوسّع بمرور الزّمن، على كلّ جيل أن يستمع للآخر ويحاول فهمه وتقبُّل تركيبته المعقّدة التي لا ذنب له في تكوينها، دون أحكام مسبقة ودون عتاب أو أيّة اتهامات، لأنّ لكلّ جيل مميّزاته، فإن عمِل الطّرفان على توحيد أفكارهما وجهودهما فسوف يتمكّنان من الخروج إلى العالم بقالب جديد وأكثر قوّة، وبالتالي هذا الصراع بين الأجيال يختلف من بيئة لأُخرى، بل من عائلة لأُخرى ومن بيت لآخَر، طِبقاً للتقاليد والأعراف والقِيَم والتوجّهات التي تحكُم الأفراد، ومن الطبيعي أن الكون لا يعرف السكون والتوقف، لذلك مع هذه الاستمرارية وهذا التقدّم لابدّ أن تختلف نظرة كل جيل إلى الحياة وتختلف طريقة التعامل مع من حولنا ومدى تقبّلنا لمن يكبرنا سنّاً ولا نتوافق معه بالرأي، فيظهر ما يُسمّى صراع الأجيال الذي يُعتبر قديماً قدم البشرية نفسها، فعليكم أيها الآباء والأمهات أن تربُّوا أولادكُم على الحب والثقة واحترام الآخر! وأنتم أيها الأبناء لا تحتقروا آراء والديكم ولا تستخفّوا بها، لأنهم يُحبّونكم ويُريدون خيركم ونجاحكم، انتبهوا جيداً لوصاياهم وتعاليمهم لأن خبرتهم في الحياة أكبر من خبراتكم، وقدّموا لهم حُبّاً وولاءً واحتراماً وتقديراً، وأعطوهم الكرامة اللائقة لأنّهم يستحقّونها، ونخلص للقول: (لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم).

العدد 1102 - 03/4/2024