التضخم وأسعار الصرف
د. عامر خربوطلي:
هناك أشخاص شديدو التأثير في الحياة حتى إن أقوالهم تصبح مصدر إلهام وموضع تركيز واهتمام.
وأعترف أن العديد من عناوين ومضامين أحاديث الأربعاء السابقة كانت من وحي كلمات وأفكار ومقولات أستاذي الكبير الدكتور إلياس نجمة على مدى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، فقد كانت تعابيره الاقتصادية عناوين لمئات الأبحاث والدراسات وينطلق منها آلاف الأحاديث والمناقشات العلمية.
فلهذه القامة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والإنسانية كل تقدير واحترام ومحبة.
أعود إلى عنوان حديث هذا الأسبوع وهو المستمد أيضاً من مقولات أستاذنا الكبير.
يتساءل العديد من المختصين والاقتصاديين ومتابعي الشأن الاقتصادي في أسباب حدوث ارتفاع سعر الصرف الحالي: هل أن التضخم هو سبب هذا الارتفاع، أم أن ارتفاع سعر الصرف يؤدي لارتفاع التضخم؟ ومن ثمّ إلى ارتفاع الأسعار؟
ولتبسيط الإجابة يمكن القول إن (سعر الصرف) هو مصطلح له العديد من التعاريف منها:
- سعر الصرف هو النسبة التي يحصل على أساسها مبادلة النقد الأجنبي بالنقد الوطني.
- سعر الصرف هو عدد الوحدات النقدية التي تبدل به وحدة من العملة المحلية إلى أخرى أجنبية.
- وهو وسيلة هامة للتأثير على تخصيص الموارد بين القطاعات الاقتصادية وعلى ربحية الصناعات التصديرية وتكلفة الموارد المستوردة.
- وهو أيضاً أداة ربط بين أسعار السلع في الاقتصاد المحلي وأسعارها في السوق العالمي، فالسعر العالمي والسعر المحلي للسلعة مرتبطان من خلال سعر الصرف.
تعد أسعار الصرف أحد المؤشرات الاقتصادية والمالية لقوة الاقتصاد في أي دولة، وتتأثر عادةً العملة الوطنية وتنخفض قيمتها مقابل العملات الأجنبية للأسباب التالية:
- ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد الوطني، ما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى، فتزيد عدد الوحدات من العملة الوطنية المرغوب تبادلها للحصول على وحدات من العملات الأجنبية.
- تراجع الصادرات الوطنية أو انخفاض أسعارها مما يؤثر على حجم التدفقات النقدية من العملات الأجنبية.
- كما تتحكم قوى السوق في تحديد قيمة أي عملة بناءً على عوامل عدة كالتجارة والاستثمار والسياحة والمخاطر الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، حينما يزور السائح بلداً معيناً فإنه سوف يضطر إلى دفع ثمن السلع والخدمات باستخدام عملة البلد المضيف، ولذلك فإن عليه أن يقوم باستبدال عملة بلده الأصلي بالعملة المحلية، لذلك فإن صرف العملات بهذه الطريقة يعتبر أحد عوامل الطلب على أي عملة.
- وهناك عامل آخر من عوامل الطلب على العملات، وهو حينما ترغب إحدى الشركات الأجنبية الداخلة إلى الدولة بهدف الاستثمار مما يخفض المعروض من العملات الأجنبية وترتفع أسعارها مقابل العملة المحلية نظراً لزيادة الطلب عليها.
- الحروب والكوارث الطبيعية الكبيرة المؤثرة في الاقتصاد الوطني للدول، فهي تسبب اختلالاً في قوة الاقتصاد مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية.
- ارتفاع الديون الخارجية وخدمات الدين: فهو يتسبب في زيادة العبء الذي يثقل الاقتصاد الوطني بسبب الالتزام بسداد أقساط الدين وأقساط الفوائد السنوية على فترات محددة من كل سنة، ولا شك أن سداد أقساط القرض والفوائد في دولة تفتقر إلى موارد كافية من العملات الأجنبية يسهم في اختلال استقرار العملة المحلية وتنخفض قيمتها مقابل العملات الأخرى بسبب زيادة الطلب على العملات الأجنبية.
- كما تؤثر أسعار الفائدة في أسعار تبادل العملة (أسعار الصرف) بصورة غير مباشرة، فانخفاض سعر الفائدة في المصارف في ظل ظروف مواتية للاستثمار يزيد من الطلب على الأموال لاستثمارها في مشروعات، وينتج عن ذلك نشاط اقتصادي مما يؤدي إلى تحسن في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأخرى، والعكس في حالة ارتفاع أسعار الفائدة فإن الإقبال على الحصول على رؤوس الأموال يقل من قبل المستثمرين، وينتج عن ذلك انخفاض في النشاط الاقتصادي، وينعكس ذلك على ضعف قيمة العملة المحلية.
- إن النتيجة التي يتم التوصل إليها بعد هذا العرض العلمي إلى أن ارتفاع سعر الصرف في سورية نتيجة ارتفاع الطلب على القطع الأجنبي عن العرض المتاح منه، إضافة إلى وجود كتل نقدية كبيرة من العملة المحلية نتيجة تزايد التمويل بالعجز أكبر من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى لحدوث معدلات تضخم كبيرة غير مسبوقة أسهمت في ارتفاع الأسعار، ومنها أسعار الصرف التي أدى ارتفاعها إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد المستوردة التي تدخل في إنتاج السلع المحلية أيضاً، وذلك إذا استبعدنا عاملي الديون الخارجية والاستثمارات الخارجية التي تشكل أرقاماً غير ذات قيمة.
- إذاً، جواب سؤال الحديث هو أن التضخم هو الذي أدى بالدرجة الأكبر في سورية لارتفاع أسعار الصرف، ومن ثمّ إلى انفلات فجوة الأسعار، وهذا ما يحتاج إلى إعادة التحكم بالكتلة النقدية المحلية وتوجيهها نحو الاستثمار المنتج غير المضارب.
دمشق في 8/7/2020