يداً بيد لبثِّ الرُّوح من جديد

إيناس ونوس:

منذ أن اعتاد البشر على العيش المشترك والحياة الاجتماعية، ظهرت بوادر المساندة وتبادل تقديم الدَّعم فيما بينهم، لاسيما في الأزمات والنَّكبات والكوارث التي تُحدق بهم جميعاً، كشكلٍ من أشكال الصِّراع من أجل البقاء على قيد الحياة، وانطلاقاً من أنَّ الخير إن عمَّ فهو يشمل الجميع دون استثناء، مثله مثل الشَّرِّ الذي سيُحدق بهم وينال منهم كلِّهم أيضاً.

وقد اعتاد المجتمع السُّوري على العديد من أدوات التَّعبير عن مساندة أبنائه بعضهم للبعض الآخر ووقوفهم معاً في الأوقات العصيبة التي مرَّت ولا تزال بهم، وها نحن اليوم كسوريين نستفيد من أيِّ مجالٍ يمكنه أن يجعلنا نتماسك ونبقى على قيد أملٍ في هذه الأيام القاسية، مستخدمين كمثالٍ على تلك المجالات شتَّى أشكال وسائل التَّواصل الاجتماعي للوصول إلى أبعد نطاقٍ ممكن، وقد نجحت عدَّة مبادراتٍ في تحقيق الغاية المطلوبة منها، في ظلِّ شعور المواطن أنَّه وحيد في مهبِّ ريح القهر والاستغلال والغلاء والألم والعقوبات، وفقدان الكثير من مستلزمات الحياة الضَّرورية.

أحد تلك الأشكال، تأمين فرص عملٍ لمن يبحث عنها وهو غير قادرٍ على الوصول إليها، فقد كثُرت الصَّفحات أو المجموعات التي تُعطي المجال لمن يبحث عن فرصته أن يوضِّح ماذا يمتلك من مؤهِّلاتٍ وإمكانياتٍ وقدرات، ويشرح ماذا يستطيع أن يعمل وكيف ومتى، وفي الوقت ذاته تُعتبر هذه الفسحات مجالاً لأصحاب العمل أن يطرحوا ما لديهم من فرص، وما هي شروط هذه الأعمال ومتطلَّباتها، وأنا واحدةٌ من الأشخاص الذين استفادوا من تلك المنابر حينما تمكَّنتُ من الحصول على عملٍ إضافي إلى جانب وظيفتي، ما ساعدني على تأمين معيشةٍ أفضل من السَّابق ولو بالحدود الدُّنيا، من خلال أشخاصٍ لا تربطني بهم أية معرفةٍ سابقة، واليوم أصبحنا زملاء في المجال نفسه.

الأمر ذاته يتكرَّر كلَّ يومٍ من خلال صفحاتٍ أخرى، تمنح المجال لكلِّ من أضاع غرضاً أو يبحث عن آخر أن يجده، فمن أضاع هويةً على سبيل المثال يترك منشوره فيها ليتمَّ التَّواصل معه إن وجدها أحدهم، وهناك من يشيرون إلى أنهم وجدوا أشياء ضاعت من أصحابها مناشدين من يعرف هؤلاء الأشخاص إخبارهم والوصول إلى مفقوداتهم.

أقرُّ أنَّني في البداية لم أكن أعير تلك الأمور اهتماماً، وتعاملت معها ببعض اللَّامبالاة، لكن ما إن عايشتها في الحقيقة، تمكَّنت من خلال تجربةٍ شخصيةٍ أن أقتنع بها وأساهم في بعضها ضمن نطاق معرفتي وإمكانياتي، وقد لمست فعلاً كم لها من تأثيرٍ إيجابي كبيرٍ علينا جميعاً، فحين أقرأ منشور أحدٍ وجد ضالَّته شاكراً الآخرين والفرحة تبدو متراقصةً من بين حروفه، أدرك أننا ما زلنا ببعض الخير رغم كلِّ ما نمرُّ به جميعنا من سوادٍ وقهرٍ يوميٍّ، وأنَّ هذه المنابر مهما كانت بسيطةً هي محاولةُ خلق أملٍ جديدٍ في أرواح السُّوريين الذين تخلَّت عنهم الحياة في الوقت الذي لا يزالون هم متشبِّثين بها توَّاقين لخوض غمارها أينما كانوا ومهما كانت الظُّروف، فهنيئاً لنا ببعضنا صورةً تمثِّل الإنسانية التي لا تهدف إلاَّ لمدِّ يد العون وتقديم المساعدة، دون أيَّة أهدافٍ سياسية أو مصالح اقتصادية.

العدد 1104 - 24/4/2024