أُرِيدُ شريكاً.. لا مارداً سحرياً
غزل حسين المصطفى:
قال لي: (سيكون تنازلاً حين تقبل زوجتي المستقبلية بزواجٍ يتمُّ بلا مهرٍ أو عرس وحتّى خاتم، لن أقبل ذلك على رجولتي…).
غالباً ما أتّبع سياسة النأي بالنفس في كلّ نقاشٍ يتمحور حول مفهوم المهر، وموضوع الزّواج في وقتنا الرّاهن مع مجموعة معيّنة من الناس.
فرأيي ووجهة نظري في الموضوع إمّا أن تُصنّف تحت بند (تنظير/ مثاليات) في محاولةٍ منهم للتقليل من هيبة ما أقول ورفضه، أو يُشنُّ هجومٌ لو استطاعوا لجعلوه مُسلّحاً.
ففي غالبية أجوبتي على تقاطعات عدّة في الحياة، كنت أعزو رأيي إلى خلاصة أقطفها من حديث أمي الدائم معي في شتّى أمور الحياة اليوم، وتجربتي بدأت تتهيأ لأن تخوض معركتها حتّى تنضج وتتبلور فيصير اسم (تجربة) مناسباً لها لا يكبرها بسنين عدّة وثغرات مُتعدّدة، إذ صار رأيي ينبع من تفاصيل تراكمية مختلفة، ومن بين أكثر القناعات التي تُعترض (موضوع الارتباط والشراكة الزوجية). فبرأيهم أنا أخرج عن السرب حين أعتبر المهر ليس أمراً مصيرياً، وحفلة العرس قد تُستبدل برحلة سياحية للزوجين، ولأني أفضّل الفضة على الذهب حتّى قُبيل جنون الأسعار، كما أنني لا أمانع أبداً في أن أُسخّر مُرتّبي الشهري في عملية استكمال المنزل فرضاً، هذه التفاصيل وغيرها هي ما يفتح عليّ النار من كل حدبٍ وصوب.
كيف لا، وأنا كبرت على حديث أمي وأبي عن مشاقّ عدة اعترضتهم في بناء كلّ لبنة من منزلنا، كيف كانت (الجمعيات، القروض، ومصاغ أمي الذهبي) هي العُكّاز لشراء الأثاث والانتقال إلى المرحلة التالية في سبيل تأسيس منزل متكامل، وها نحن اليوم ومنذ زمنٍ بعيد جداً نعيش في بيت تعود ملكيته لوالدي ونستطيع القول إنه (لا ينقصه شيء) بل وقد نُحسد عليه، كما يعبّر بعضهم.
ورغم طول الرحلة إلاّ أنها كانت، برأيي، تضيف إلى الحياة زخرفاً من نوع آخر وانتظاراً جميلاً في تحقيق غايات وأهداف قريبة أو بعيدة المدى.
كانت ومازالت حالة العصامية تلك تُغريني، إذ التمستُ مفعولها في حياتنا، راقبت التّطور الفعلي لمفهوم الشراكة الزوجية بينهما، علّمتنا كيف نحتفل بصغرى إنجازاتنا ونكوّن أسرة يشارك كلُّ فردٍ منها فيها، كلُّ الأشياء لها طعمٌ مختلف، أما تقويمنا السّنويّ فهو يعجُّ بمناسباتنا الخاصة على بساطتها (من عيد ميلاد البيت، إلى تواريخ ميلاد كلٍّ منّا …الخ).
لكّن المجتمع يضع خطوطه الحمراء تحت جملة (الشّراكة) لاسيما الاقتصادية، إذ يُحمّل الشاب مسؤولية المنزل وأثاثه والمهر والعرس، ومن لم يكن قادراً على كل ما ذُكر فهو غير مؤهل كُلياً للزواج بصرف النظر عن رؤية بعض الإناث أو حتى المجتمع للرجل على أنه فارس الحكاية وماردها، سيكون كلُّ شيءٍ عنده سمعاً وطاعةً دون اعتراض.
وهنا أسأل، انطلاقاً من وضعنا الرّاهن دون النظر لوقتٍ مضى:
هل يستطيع شبابنا الثلاثيني فرضاً تأمين كل شيء بالمطلق، ووحده!؟
هل الرواتب الوظيفيّة تسمح؟ هل فرص العمل متاحة؟ هل باتت الأسعار والأوضاع مقبولة؟
أجوبة متباينة، لكن النتيجة بالمجمل سلبية، إذ إنّ فكرة التعاضد والشراكة مفروغٌ منها تماماً، لكن ماذا عن آخر المستجدات وسعر الذهب قد فقد صوابه!؟
توجهت بالأسئلة إلى شريحةٍ شبابية عشرينية من أقراني، توجهت للإناث: (هل تقبلين بالزواج من غير عرس أو منزل بملكيةٍ خاصة؟ وهل من الممكن أن تتنازلي عن المحبس في ظلّ ما نحن فيه؟ أتقبلين بالسكن في بيت أهل الزوج؟).
في المعظم كان وعي بعضهن يدفعهن للإجابة إن الموضوع بات خارجاً عن السيطرة، لكن أقلُّ ما يمكن هو المحبس مع قبول ورضا بأن تنطلق مع شريكها المستقبلي في رحلة لصنع حياتهما معاً.
بينما رفض عدد لا بأس فيه منهن أن تتنازل عن أيّ شرطٍ من الشروط المُعدّة لاستكمال الزواج.
وجاءت إجابات متفرقة حول أهمية وجود منزل بملكية خاصة على الأقلّ، ومنه ستبدأ بتأسيس واستكمال ما ينقص.
أما للشباب فكان السؤال: (ما هي نظرتك وموقفك من شريكةٍ اختارت الكفاح معك وتخلّت عن كل بهرجٍ ومظهرٍ اعتيادي للزواج وربما بلا محبس؟).
أجاب صديقي راشد: أعتبر موقف الأنثى ممّا ذكرتِ وعياً، والموضوع لا يندرج تحت بند التنازل فقد يحتمل الموضوع فكرة التأجيل كأن يكون المهر غير مقبوض وأن يُستقدم مصاغ الذهب تدريجياً في المستقبل (على أمل الفرج).
وأضاف تعقيباً على طرحي للموضوع: كلنا على أبواب الزواج.
وأتى ردّي ممازحةً: (كلنا على الباب، لكن لا أحد لديه الشجاعة والجرأة لأن يطرق الباب!).
لكن عبد اعترض قائلاً: سيكون تنازلاً حين تقبل زوجتي المستقبلية بزواجٍ يتمُّ بلا مهرٍ أو عرس وحتّى خاتم، رجولتي لا تقبل ذلك.
بينما كانت إجابة صديقٍ آخر: ما دام الزواج شراكة فهذه التفاصيل يجب أن لا تكون عقبةً في طريق حبيبين أو شريكين، وهذا ما أجمع عليه الأغلبية.
ورفضت الغالبية العظمى من كلا الجنسين السكن في بيت أهل الزوج، رغم أنني لم أوجّه السؤال للشباب إلاّ أنهم اقتحموا الحديث وأجابوا من منطلق ذكره أحدهم (بدّي مخفر شرطة بالبيت يفك المشاكل).
وهنا لا بدّ لي من ذكر نقطة لمستها في مجمل النقاش الذي خضته معهم جميعهم، لقد كان كلٌّ منهم ومنهن يُبدي رأيه ويُناقش وجهة نظره ويُنبّه في الختام إلى خوف دفين من موقف المجتمع ووجود هاجس من رأي الأهل ومدى تقبّلهم.
كان الكل مُقتنعاً بما يقول، لكنه يخاف من المقص الاجتماعيّ الذي سيقص جناحه قبل أن يخرج عن السرب.
وسؤالي الآن موجّه إليكم أيها القرّاء، وأيضاً للمجتمع:
إلى متى سنُبقي على قوالبنا الحجرية تلك في شتّى مناحي الحياة؟
إلى متى سنبقى نُطلق المفاهيم ولا نُحرّك ساكناً في فهمها ومناقشتها وتطبيقها؟
إلى متى سيبقى المجتمع يُسلّط على رقابنا نصل سيفه؟
هل سيتحول الزواج إلى حلمٍ صعب المنال؟
هل، وهل وهل… إنها دوامة من الأسئلة، إذا لم نُعطَ حرية الاختيار، إلاّ من رحم ربي وقرر أن يواجه في سبيل أن يكون هو بنسخته الفريدة.