أما آن لنار حقدكم أن تخمد ولغلّكم أن ينتهي؟

إيمان أحمد ونوس:

عبر تاريخ الأرض والبشرية، كانت الحرائق اعتيادية وطبيعية، سواء نتجت عن سلوك مستهتر من الناس، أو كانت لأسباب طبيعية تؤهّب المناخ لتلك الحرائق كالارتفاع الشديد لدرجات الحرارة. وجميعنا يعلم بالحرائق التي تشتعل سنوياً في العديد من الدول، فتلتهم مساحات واسعة من الغابات الطبيعية والحقول والمزارع، ولعلّ حرائق أستراليا وبعض الولايات الأمريكية خير مثال.

بالتأكيد نحن في سورية لسنا استثناءً من كل هذا، فالحرائق_ سواء الطبيعية الناجمة عن ارتفاع شديد لدرجات الحرارة في مناطق معيّنة، أو البشرية بسبب الاستهتار، أو المفتعلة لأسباب نفعية ومادية بحتة لأجل إقامة المنتجعات والفنادق أو الفيلات الخاصة_ كانت وما زالت قائمة في كل عام، فالنيران تلتهم العديد من محاصيل الحبوب مثلما تلتهم غابات بكراً طبيعية وغيرها في العديد من المحافظات والمناطق. وفي العقد الأخير، وخلال سنوات الحرب والجمر التي عاشتها سورية وعانى من لهيبها كل السوريين فقد التهمت نيران تلك الحرب العديد العديد من الحقول وكروم الزيتون والحمضيات واللوزيات ومختلف الأشجار المثمرة، مثلما التهمت البيوت والأحياء أيضاً، وهذا لم يكن مُستغرباً وإن كان مؤسفاً ومحزناً، لأنها بديهياً نشبت بسبب الحرب والعمليات العسكرية التي لم تكن تميّز ما بين ضرر وآخر بحكم طبيعة وضرورة هذه العمليات من جهة، وبسبب الحقد والغلّ الذي عشّش في النفوس المريضة والمتآمرة على سورية والسوريين من جهة أخرى.

 لكن الأمر الذي أثار الاستغراب بقدر ما أثار الاستهجان والغضب عند عموم السوريين، أو على منصات التواصل الاجتماعي، هو هذا الكم الهائل من الحرائق المندلعة في العديد من المناطق والمحافظات بتوقيت واحد تقريباً، والتي أتت على محاصيل بعينها كمحصول القمح وباقي أنواع الحبوب التي تُشكّل محصولاً استراتيجياً وأمناً غذائياً لنا في زمن صعب وقاسٍ فرضته الحرب بكل تبعاتها والعقوبات الاقتصادية الدولية، ويُكلّل كل هذا جشع حيتان السوق وتجّار الحروب (دواعش الداخل) الذين لم يقلّ طمعهم وجشعهم وجبروتهم عن الحرائق المشتعلة في الحقول والغابات ومحميات النخيل المُعمّرة، ولا يقلّون إجراماً عن الاحتلال التركي والأمريكي الذي يستخدم البالونات الحرارية في معاركه ضدّ السوريين كي يحرق الزرع والضرع والإنسان، فلا تقوم باعتقاده قائمة لسورية وشعبها كما يحلمون.

إن الحرائق، في هذا التوقيت وبهذه الفجاجة والبشاعة والإجرام، لا يمكن أن تكون مُصادفة، ولا يمكن لدرجات الحرارة المعتدلة في فصل الربيع، وإن تجاوزت معدلاتها بقليل، أن تكون السبب في اشتعال كل تلك الحرائق في حقول القمح والشعير وغيرها من كروم وأشجار مثمرة، وبضمنها أشجار النخيل والمحميات الطبيعية في تدمر التي تجاوز عمر بعضها مئات السنين، نيران لم تنجُ منها حتى العاصمة دمشق التي لا يمكن وصفها بأنها منطقة زراعية، لاسيما أن الحرائق التي اشتعلت فيها طالت سفوح قاسيون والهامة وغيرها من أماكن لا وجود للزراعة فيها.. لا شكّ أن مفتعلي تلك الحرائق يهدفون لتشويه شموخ دمشق بتشويه قاسيون والغوطتين، مثلما يهدفون لمعاقبة مناطق كانت شوكة في حلوقهم حتى اللحظة.

وعليه، لا يمكننا أن ننظر إلى الأمر على أنه عفو الخاطر أو مُصادفة تحدث بين حين وآخر مثلما تحدث في مناطق أخرى من العالم، بل هو إجرام حقيقي عن سبق إصرار وتعمّد، لأجل محاصرتنا من الداخل والخارج خاصّة إذا علمنا أننا على بعد ساعات معدودات من قانون قيصر الذي أقرّته أمريكا وستفرضه على سورية وشعبها في حزيران الحالي، ومن ثم لا يمكننا أن نرى تلك الحرائق أنها فقط بسبب استهتار بعض الناس الذين يرمون بأعقاب السجائر المشتعلة، أو يتركون مُخلّفات نزهاتهم دون أن يُطفئوا نيرانها.. إنها وببساطة شديدة وغير خافية على أحد محضُ انتقام من شعب صمد وصبر وقاوم كل أشكال الفقر والعوز والحاجة، ورفض المغادرة والرحيل خلال الحرب، مثلما هي تمهيد مُتعمّد لعقوبات قيصر المُنتظرة والتي لن يُعاني منها سوى السوريين الصامدين حتى اللحظة في بلد لم يعد يحظى بأدنى مقومات العيش فيه.

فإلى كل أولئك المجرمين، إلى كل أولئك الحاقدين على سوريا وشعبها… أما آن لنيران حقدكم أن تخمد ولغلّكم أن ينتهي؟ سيبقى صمود السوريين برداً وسلاماً على سورية التي ستنهض من رماد هذا الحقد والحرب والعقوبات فينيقاً يُذهل الكون بصفاء سمائه واخضرار حقوله ومحمياته، وستذهبون بحقدكم وغلّكم إلى مزابل التاريخ وجهنم وبئس المصير!    

العدد 1104 - 24/4/2024