حبوب سنبلة تجفّ ستملأ الوادي سنابل

وعد حسون نصر:

محال أن يلتهم الحريق آمالنا، فلا بدّ أن ينبت الزرع من جديد ولو بقيت حبة واحدة.. لكن لماذا يا تُرى يرغبون أن تلتهم النار سنابل القمح لتصبح رماداً، وكلما هبّت الريح حرّكت نار الهشيم فتلتهم الأخضر واليابس؟

بات الخوف يزعزع نفوسنا مع قدوم موسم الحصاد كل عام، بتنا نخشى الجوع الناجم عن الحقد، ونسأل: ما السبب الذي يجعل الأخ يحرم أخاه من الطعام، ويحرمه لذّة أن يجني ما زرعت يداه؟! ألم يكفنا الحصار الذي حرم أطفالنا طعم الحلوى في حبة الفاكهة، وملوحة الجبنة بقطعة الخبز الساخن؟! لماذا تسلبوننا رغيفنا؟ لماذا تحرقون قلوبنا على رزقنا؟ لماذا تقتلون حبة القمح قبل أن تجف لتعود إلى الحقل سنبلة حب من جديد؟ هل مللتم اللون الأصفر في حقول الذهب لتُحلّوا محلَّه الأسود الداعشي؟ قمحنا حقّنا، حقّ أولادنا، خبزنا لنا ثمارنا لنا، لا تعبثوا بقوتنا فالجوع الكافر سيحرق الأرض تحت أقدامكم ليعيد الأرض خضراء من جديد! والطبيعة لم تولد سوداء، بل ولدت خضراء مزينة بالأحمر والأصفر والأبيض وألوان قوس قزح، لذلك من واجبنا الحفاظ عليها، حمايتها، خاصةً أن الحريق لم يتوقف فقط في منطقة أو محافظة واحدة إنما انتشر في كل المحافظات، وكأن هدف المجرم أن يعبث بقوت الجميع، وأن يدمّر أحلام الفلاح بموسم جديد يسدُّ به العوز ويشتري فرح العيد لأبنائه، بحذاء جديد وقميص ملون وقطعة حلوى ولعبة تزيد العيد بهجة. لذلك علينا جميعاً التصدي  لهذا العمل الإجرامي، بحراسة الحقول وكأنها ملكنا جميعاً، وتكثيف الحراسة والمراقبة، العمل يد واحدة وقلب واحد لمنع امتداد الحرائق إلى الحقول المجاورة، ومن ذلك ترك مترين أو أكثر دون زراعة بين حقل وآخر منعاً لامتداد النار، والعمل على وضع براميل من الماء وإن كانت لا تخمد النار بشكل نهائي، لكن قد تفي بالغرض ريثما يصل فوج الإطفاء، يمكن أن يتعاون الجميع بحصاد الموسم بالتتالي، أي يتعاون الفلاحون لحصاد موسم شخص ما، ثم الانتقال إلى جاره وجاره التالي وهكذا، فالتعاون يُسرّع بإنجاز العمل ويحدُّ من افتعال الحريق، كذلك يجب تخصيص سيارات إطفاء مجهزة ويفضّل أن تكون بين الحقول للحدّ من اندلاع الحريق وامتداده إلى مساحات شاسعة.

ربما يستغرب البعض هذا الطرح، لكنه أفضل من الاستسلام للمجرم وتركه يجول في الحقول ويحرق طعامنا وآمالنا وخبزنا، ألم تكفنا نتائج سياسة الغرب في فرض عقوبات جائرة على بلدنا الحبيب، والحرب الطاحنة التي التهمت الحجر قبل الشجر والبشر؟! ألم يكفنا تشرّداً وتهجيراً في أصقاع الأرض؟! ألم يحن الوقت لنرتاح ونأكل من حقولنا ونتدفأ من حطبنا ونصنع العيد من ثمار أشجارنا؟! هل سنُمضي الحياة ونحن نبحث عن الدفء في قصص الماضي؟ هل سيغيب عنّا شكل السنبلة وهي ترقص للريح فرحاً؟ هل ستغيب عن حقولنا أهازيج الفرح بأغاني الفلاحين؟ اتركوا لنا الأهزوجة فنحن بحاجة إلى الفرح بعد بكاء سنوات بالحرب، دعونا نرقص وننشد للحقول! دعونا نتواعد تحت الأشجار عشّاقاً نرسم الحب، دعونا نشتمُّ رائحة الدفء المنبعث من التنور! لماذا هذه العدوانية حيالنا؟ ألم يحن الوقت لنرتاح؟ أليس من حق أبنائنا أن يأكلوا من خير ما زرع الآباء والأجداد! اتركونا نزرع الحب فهو خير منقذ لنا في السنوات العجاف! اتركونا نفتح أعيننا على لون السلام مع الأبيض، نتخايل الربيع بكل غصن، نشتمُّ العطر بكل زهرة، فلم يعد لنا ملاذ من القهر إلاّ بساط أخضر تكرّمت علينا به الطبيعة ودعتنا ننثر ذهبنا الأصفر فوقه لتقول لنا إنها الأكرم، وإن ضاقت علينا فسوف تفتح هي لنا ذراعيها بسنابل عادت برغيف خبز من صنع أمٍّ همّها الأكبر أن لا ينام أبناؤها وبطونهم خاوية، وعقولهم  يعبث بها الجوع  وأفكار يغيب فيها الخير مع غياب بذرة القمح، لذلك نطلب من القائمين على الأمور أن يقفوا بجانب الفلاح ليحمي حقله، فملاذ سورية اليوم وملاذنا أجمع هي خيرات بلادنا، فهي الأمل بعد أن أغلقت الحدود وعاث الوباء وفرض الغرب علينا قوانينه الجائرة، جميعنا معنيّون بحماية خيرات البلد، وكلنا واحد ضدّ المجرم ليعود الخير لنا جميعاً، ومن واجبنا كلنا حماية الرغيف، فقمح بلادي من حقي وحق أولادي، من حقّنا وحقّ أولادنا، فالنار جهنم، وجهنم لا تعرف الرحمة، دعونا نعيش في جنتنا على الأرض وبين الحقول، فمن ذاق الحلوى في التفاح واشتمّ الصباح بالرغيف لا يمكن أن ينام جائعاً، فهو من زرع الخير ونشر الحب مع كل حبة قمح.

العدد 1102 - 03/4/2024