طائر الفينيق ينفض رماد الخيبة والخذلان مرة أخرى
إيناس ونوس:
في كلِّ عامٍ وعلى مدار أعوامٍ متتاليةٍ، يأتي الصَّيف ويحمل معه كوارث للفلَّاحين متمثّلةً بالحرائق التي تأتي على كلِّ المحاصيل الزِّراعية التي تعبوا من أجلها عاماً كاملاً، وعلَّقوا عليها الآمال بأن تسندهم مادياً بعد طول انتظار.
سياسة تجويعٍ مُمنهجةٌ
في البداية، كانت هذه الحرائق تطول مناطق محدَّدةً دون غيرها، فتبدو وكأنها محض مصادفة، لاسيما أنها كانت تترافق مع ارتفاعٍ في درجات حرارة الجو، أما اليوم فإنها باتت تشمل كلَّ المناطق دون استثناء، وتحديداً المناطق التي تعاني أساساً من الفقر والجوع، وتقوم معيشة سكانها على ما تنتجه هذه الأرض، وبغضِّ النَّظر عن معدَّل الحرارة السَّنوي وحركة الرِّياح فيما إذا كانا عاملاً أساسياً أم لا، كما حصل هذا العام، وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدلُّ على أنَّه عملٌ مقصودٌ وبفعل فاعل، يهدف في نهاية المطاف إلى حرق أفئدة المزارعين والنَّاس مع كلِّ شرارةٍ تعلو وتلتهم جهدهم وتعبهم وأحلامهم، وإلى زيادة نسبة الجوع والفقر والألم، واغتيال كلِّ منظرٍ طبيعيٍّ جميلٍ كُنّا في غابر الزَّمان نتباهى بوجوده في بلادنا.
وإلاّ، فما معنى أن تنتشر النِّيران في غضون يومين أو ثلاثة، فتأكل الأخضر قبل اليابس في هذه الفترة من العام والمعروفة باعتدال مناخها؟؟ وفي أكثر من منطقةٍ تشمل أكثر من نوعٍ من أنواع المنتجات الزِّراعية ابتداءً من القمح، مصدر الغذاء الأساسي، وليس انتهاءً بالخضار والفواكه الموسمية، التي سترتفع أسعارها أضعافاً مضاعفةً، فتغتال حلماً جديداً على قائمة أحلامنا، وكلّه في اللَّحظة ذاتها؟
تركيزٌ إعلاميٌّ غير مبرَّر
فيما سبق، وقبل توافر التِّكنولوجيا التي باتت تنقل اللَّحظة كما هي، كنَّا نسمع بما حدث دون أن نرى، أما اليوم فإنَّ الصُّور تأتينا مباشرةً وكأنَّنا في قلب الحدث، في قلب الألم والقهر.
طبعاً، إنَّ من يبثُّ هذه الأخبار وينقلها هدفه، غالباً، تصوير الواقع والحال المدقع الذي وصل إليه معظم أبناء شعبنا، في محاولةٍ لإيصال أصوات المتضرِّرين المباشرين من الحدث، غير أن تساؤلاً يتبادر لأذهاننا حينما نتواصل مع المحيطين بنا، لماذا يتمُّ تسليط الضَّوء على مناطقَ بعينها دون غيرها لتكون هي محور الحدث، فيما يتمُّ التَّعتيم على مناطقَ أخرى وتجاهل كل ما يجري فيها؟
إن كان الأمر كذلك، فهل الهدف منه انطلاقاً من مبدأ (انظروا، ولتكن لكم عبرةً لتتَّعظوا، فلا تفكِّروا أبعد من أنوفكم!)، أم لإشعال المزيد من نيران الكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد بعد كل ما مرَّت به البلاد في السَّنوات الأخيرة؟ً مع العلم أنَّه لم تبقَ منطقةٌ مميزةٌ عن غيرها، ولم يبقَ مكانٌ إلَّا ونال قسطه من الخراب والموت، غير أنَّ لعبةً ما لا تزال تجري من تحت الطَّاولة، تهدف للمزيد من تسليط الضَّوء على بعض المناطق على حساب تهميش الأخريات، رغم أنَّ كل المناطق وكل المحاصيل الزِّراعية باتت متساويةً في نصيبها من لعنة الحرائق المتكرِّرة والمتعمَّدة.
الرَّماد في كلِّ مكان
بعد كل ما جرى وما فعلته الحرب الكارثية، بقي بعض النَّاس متشبثين بهذه الأرض، رافضين مغادرتها، محاولين إعادة إعمارها وضخِّ الدِّماء فيها مجدَّداً، وبثِّ الرُّوح والأمل فيها، نافضين عنهم رماد الموت والقتل والوحشية التي لم يسبق للبشرية أن عاشت مثلها، فيأتيهم الرَّماد هذه المرَّة من داخلهم، من تعبهم وعرقهم، من أحلامهم وآمالهم، تحترق أمامهم وكأنَّها لم تكن، وكأنَّه قُدِّر لهذا الشَّعب الذي لا يريد إلاّ العيش بالقليل من الكرامة أن يبقى تحت الرَّماد طيلة حياته.
فلماذا؟
ألم يكفِ ما جرى ولا يزال؟
ألم يحن الوقت لأن تشرق الشَّمس صافيةً، بلا خجلٍ من خلف ضباب الحقد والرُّعب؟
إلى متى سنبقى على قيد انتظار؟