موسم الامتحانات… والتَّخبُّط المستمر
إيناس ونوس:
في كلِّ عامٍ نتناول موضوع الامتحانات (شهادتي التَّاسع والبكالوريا، وامتحانات الجامعات) لعلَّنا نُسلِّط المزيد من الأضواء على كواليس هذا الموسم وما تتخلَّله من قراراتٍ وإجراءات … إلخ.
تأتي امتحانات هذا العام في ظلِّ الإجراءات التي فرضتها علينا الحكومة بسبب انتشار الوباء الذي أوقف الدوام في المدارس منذ شهرين، أي في الوقت الحاسم بالنِّسبة لطلَّاب الشَّهادتين الإعدادية والثَّانوية، فبعد مضيِّ عامٍ كاملٍ من التَّحضير والدِّراسة والانتظار والتَّعب يجلس التَّلاميذ في بيوتهم وهم لم يكملوا بعد المنهاج المطلوب منهم.
منذ بداية العام سرت حالةٌ من القلق والتَّخبُّط بين الكوادر التَّدريسية من جهة، والطُّلاب من جهةٍ أخرى، بحكم التَّعديل الحاصل في المناهج، وتجلَّى الهلع في مواد اللُّغتين الأجنبيتين، لاسيما بما يخصُّ مادة اللُّغة الفرنسية مثلاً لعدم توفُّر أسئلة ونماذج امتحانية سابقة، فلم يعد المدرِّسون قادرين على تخمين كيف يمكن أن يكون امتحان نهاية العام، ولا يزال هذا التَّخبُّط مستمراً حتى اليوم، بالرَّغم من كلِّ التَّصريحات التي صدرت عن الوزارة، فكلُّ موجِّهٍ اختصاصيٍّ يصرِّح بما فهمه منها، ويوجِّه مدرِّسيه بناءً عليه، وهم يوجِّهون تلامذتهم، فيخرج غيره مُصرِّحاً بشكلٍ مُغاير، ما يدلُّ على عدم توفُّر الخبرة الكافية في التَّعامل مع هذه الأمور، وعدم التَّنسيق الصَّحيح والواضح بين أصحاب القرار، ما أدَّى لزيادة الغموض والتَّوتر حتى وقع الطُّلاب في الحيرة مُجدَّداً، وثار قلقهم ورعبهم من تصريحاتٍ جاءتهم على نمط (أن الأسئلة في اللُّغة الفرنسية التي لم يسبق التَّركيز عليها بشكلٍ كافٍ في السَّنوات السَّابقة ستأتي على شكل نصوصٍ موازيةٍ لما هو في الكتاب، أو من خارج المنهاج)، وكثرت تساؤلاتهم واستفساراتهم، فهم غير مؤهَّلين بالشَّكل المطلوب للتَّعامل مع لغةٍ أجنبيةٍ لم تأخذ حقَّها كفايةً لعدَّة عوامل يمكننا أن نذكر أهمَّها، ألا وهو النَّقص الشَّديد في عدد المدرسين المؤهَّلين، إضافةً إلى كون هؤلاء الطُّلاب الذين هم اليوم في الصَّفِّ التَّاسع أو البكالوريا قد عانوا منذ عامين من إيقاف الدَّوام في بعض المناطق في الفترة الزَّمنية نفسها بحكم الحرب التي عمّت البلاد، فلم يتمكَّنوا من الإمساك بأساسياتها.
وما تمَّ التَّطرُّق إليه عن اللُّغة الفرنسية يمكن أن يُعمَّم على باقي مواد المنهاج بشكلٍ أو بآخر، نظراً لتغيير المناهج كما أسلفنا سابقاً، وأتت إجراءات الوقاية من الوباء هذا العام فاكتملت الحكاية، ففي الفترة الحاسمة التي يحتاجها الطُّلاب للمراجعة والتَّركيز على المعلومات لتلافي النَّقص لديهم، أو تجاوز نقاط الضَّعف، تمَّ تعليق الدَّوام في بادئ الأمر، ثم إيقافه بالكامل، ودخل الطلاب وأهاليهم ومدرِّسوهم في قلقٍ من نوع جديد، وعملوا قدر استطاعتهم على حلِّ المشكلة عن طريق التَّواصل مع التَّلاميذ عبر الإنترنت، سواء بمجموعات على (الواتس أب) أو على (الفيس بوك)، إلى أن صرَّحت الوزارة أخيراً عن موعد الامتحانات، وعمَّا قامت بحذفه من المناهج، لأنَّ الطُّلاب لم يتلقُّوه على مقاعد الدِّراسة، فخفَّت حدَّة التَّوتِّر بعض الشَّيء، غير أنَّها لم تختفِ كلياً، ومن البديهي ألَّا تختفي، فها نحن نعيش التَّرقُّب الذي نحياه في كلِّ عام، والذي يتزايد مع اقتراب لحظة الصِّفر يوماً بعد آخر، وما يزيد من تحفُّز الجميع هو الخشية من صدور أيَّة قراراتٍ بشكلٍ مفاجئ في اللَّحظات الأخيرة، بعد أن تعب التَّلاميذ وبذلوا جهودهم بانتظار اللَّحظة الحاسمة، وبعد أن استنفد الأهل كلَّ طاقاتهم سواء معنوياً أو مادياً، فمن المعروف للجميع أن طالب الشَّهادة يحتاج إلى مصاريف خاصَّة تتعلَّق بالدُّروس الخصوصية، التي باتت مجالاً لثراء البعض من المدرِّسين، في حين أنَّها سببٌ لشقاء وتعب الأهل الذين لا يمكنهم أن يقبلوا بالتَّقصير تجاه أبنائهم ومستقبلهم وتحصيلهم الدِّراسي، في الوقت الذي يعاني فيه تسعون بالمئة من الشَّعب السُّوري من العوز والحاجة، نظراً للوضع الاقتصادي المتردِّي.
كثيراً ما نلوم هذه الأجيال على استهتارها وعدم قدرتها على تحمُّل المسؤولية، غير أن نظرةً عميقةً إلى مجريات الأمور، وتحديداً فيما يخصُّ التَّعليم ما قبل الجامعي، تفرض علينا لزاماً أن نقول (يا حرام هالجيل شو عم يصير فيه!)، فالقرارات الوزارية التي تصدر كلَّ فترةٍ تبيِّن أن هذه الأجيال لم تتلقَّ نصيبها الحقيقي واللَّازم من التَّعليم، ففي فترة الحرب كان من المفروض جمع التَّلاميذ في المدارس لنظهر أنَّ الحياة طبيعية، ولم تتأثَّر بالحرب، بغضِّ النَّظر عن سير العملية التَّعليمية، وقد ناشدنا كثيراً وتناولنا هذه الجوانب في مقالاتٍ عدَّة أملاً بأن ينزل القائمون على هذه القرارات إلى أرض الواقع ويتعاملوا معه كما هو وليس انطلاقاً من مجرد كليشيهات على الورق فقط، إلاّ أنَّ (سمعان مو هون)، واليوم تعود الكَرَّة مُجدَّداً، فقرار نقل الطُّلاب إلى الصَّفِّ الأعلى بغضِّ النَّظر عن مستوى تحصيلهم، أو نسبة حضورهم للدَّوام، قد حرم كثيراً منهم من إمكانية التَّحصيل العلمي الدَّقيق، ولاسيما طلاب الشَّهادات، فعددٌ لا بأس به منهم كان من المفترض ألَّا يتم ترشيحهم لخوض الامتحانات العامة سواء بسبب مسلكياتهم أثناء العام الدِّراسي، أو غيابهم المتكرِّر وغير المبرَّر عن الدَّوام، ما جعلهم يعانون من نقصٍ كبيرٍ في المعلومات لا يؤهِّلهم لخوض الامتحانات العامة، وبالتَّالي حصولهم على شهاداتٍ هم أساساً غير مؤهَّلين لها.
ألم يحن الوقت لأن تأخذ وزارة التَّربية على عاتقها النَّظر في هذه الأمور بشكلٍ منطقيٍ وواقعيٍ أكثر؟ ألم يكتفوا من القرارات الورقية التي لا تستند إلى الواقع أبداً؟ أم أن سياسة التَّجريب وتحويل أجيالٍ كاملةٍ إلى فئران تجارب لم تنتهِ بعد؟
سنبقى نترقَّب الأمل في المستقبل، بأن يكون التَّعامل مع هذه الشَّريحة من المجتمع أكثر عدلاً وإنصافاً، وأكثر تحمُّلاً لمسؤولياتنا تجاهها، فكما كان لنا الحقُّ في الحصول على شهاداتنا ووصولنا إلى ما نحن عليه، من واجبنا أن نهتمَّ أكثر بالعملية التَّربوية التي تعتبر حجر الأساس للتَّعليم الجامعي الذي سيخرِّج كوادر من واجبها بناء هذا المجتمع والنُّهوض به.