الإرث الإنساني ومفاجآت نوعية
حسام محمد غزيل:
الإرث الإنساني يحمل الكثير من المفاجآت التي إذا ما حاولنا النظر إليها من جوانب أخرى نراها قد حقّقت اختلافاً مميّزاً وقفزةً نوعيةً بمصير الإنسانيّة. اتصفت حياة البشرية منذ البداية بأنها كانت تتعرض بشكل دوري وفي فترات متلاحقة لكوارث طبيعية (زلازل_ براكين_ قحط_ أوبئة) كان لها الأثر الكبير بالمسيرة الإنسانية وخلق منعطفات كانت تجعل الصورة تختلف بشكل جذري عمّا كانت عليه سابقاً. فالكوارث الطبيعية صنو الكوارث الإنسانية التي أجرم من خلالها الإنسان بحق نفسه من حروب ومحن، وإن التطور الإيجابي والسلبي لحياة الكرة الأرضية كان يضع الإنسان دوماً أمام لحظات خيار وقرارات نتج عنها الكثير من الاختلاف بصيرورة الإنسان على هذا الكوكب، وقد جاءت الكثير من النظريات والدراسات لوضع تأويلات لنتيجة ما حصل وآثاره في كل القطاعات ومفاصل الحياة.
هذه الألفية شهدت الكثير من الأوبئة والحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية التي أربكت الوجود البشري ووضعته أمام امتحانات حقيقية ليحافظ على وجوده ويسعى لمصير أفضل. فها هي اليوم أمام تحديّات جديدة أوجدها اجتياح كورونا للكوكب، اختبار وتحدٍّ حقيقي لموروث الإنسانية الاجتماعي والإنساني، الاقتصادي والعلمي، امتحان يختبر كل ما حققته البشرية من إنجازات وعلى الأصعدة كافة. امتحان يختبر حتّى علاقاتنا الاجتماعية ضمن الأسرة الواحدة وأدوارنا فيها، مُعيداً طرح الأسئلة حول دور الفرد في الخلية المجتمعية الأدق والتي ينعكس فيها الموروث البشري بأكمله، تحديد الدور ضمن الأسرة، تحديد الدور ضمن المجتمع.
كورونا عمل على إعادة صياغة بنية العائلة من حيث أدوار كلٍّ من الزوجين وعلاقتهما أحدهما بالآخر، ضمن ظروف الحجر والضغط الاجتماعي والاقتصادي أصبحت هناك ضرورة لتحمّل كلا الزوجين الأدوار بالتناوب، وطُرحت مجدداً أسئلة حقيقية عن طبيعة العلاقة بينهما خارج شكلها التقليدي وإعادة التفكير ضمن شروط الوضع الراهن بطبيعة العلاقة وما هي عليه وما يجب أن تكون. فوجئ كثيرون بحقيقة الأمر وقد عانى البعض شعوراً بالغربة وكأنه لأول مرة يتعرّف على شريكه ويكتشف أن معرفته النمطية غير كافية بينهما كشريكين أولاً ومسؤولين عن كيان الأسرة ككل. التحدي الأعقد كان بطبيعة علاقة الآباء بالأبناء والفهم الحقيقي لمعنى الأبوّة من جهة الآباء، فالدور الشكلاني بالسطوة والإنفاق واعتبار الأبوّة الجينية وحدها كافية لتجعل العلاقة صحيّة وصحيحة، طرحت الأزمة حقيقة العلاقة وشروط العمل من خلالها لتحسين ما هي عليه، وواجه الآباء تحدياً لإعادة صوغ العلاقة، بينما استمر البعض بمحاولة تأطيرها واعتماد شكلها الخارجي بما يرضي الصورة النمطية لهذه العلاقة، بينما كان الوجه الآخر لهذا التحدي هو علاقة الأبناء في حياة الأسرة ودورهم في تأمين متطلباتها المعيشية، علاقة الأبناء ومدى وعيهم بطبيعة الحياة ضمن أسرهم خارج شكلها النفعي المُعتاد من قبلهم، وانتقال الصيغة لشكل تكافل مجتمعي واستيعابي يجب أن يكون من كلا الطرفين.
لا يمكننا أن نحكم بنجاح المجتمع في هذا الاختبار، فلا يزال الحكم مُبكّراً على ذلك، لكن أقل ما يمكن قوله هو أن الكورونا وضعتنا أمام احتمالات وأسئلة لم نقم بتجربتها سابقاً، وهذا ما سيخلق تراكمياً ووعياً لا يمكن التغاضي عنه ونسيانه عندما يستمر دور الفرد داخل الأسرة وخارجها للقيام بدوره في الحفاظ على نفسه وأسرته، وتقاطع هذه الثنائية بما يُعيد ربط الأفراد بأسرهم وتحقيق بنية اجتماعية نتمنى أن تغدو أقوى وتنعكس على كل المجتمع تحت شعار عندما تحمي نفسك وتفعل الأفضل لصونها بالصورة الأخلاقية والسلوكية الإيجابية فأنت تساهم بحماية وصون المجتمع.