تحديات الاقتصاد العالمي في ظل جائحة كورونا

ريم الحسين:

حذر صندوق النقد الدولي من أن تفشي فيروس كورونا يمثل تهديداً خطيراً لاستقرار النظام العالمي، وأنه أسوأ ركود اقتصادي يشهده العالم منذ حقبة (الكساد العظيم) في ثلاثينيات القرن الماضي. وقال إن وباء كورونا أدى إلى دخول العالم في أزمة لا مثيل لها، إذ يتوقع أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المئة هذا العام، مع انكماش اقتصادات البلدان في أنحاء العالم بأسرع وتيرة منذ عقود.

فبعد أسابيع من الإغلاقات، وشلل الاقتصاد العالمي، الغموض ما زال أفضل وصف لتأثيرات هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي، فهل ستقوم الحكومات بتقليص إجراءات الحظر الصارمة والإغلاق؟ وهل سيعاود قطاع الأعمال فتح أبوابه، وتعود الوظائف؟ هل ستعاود شركات الطيران للعمل؟ وهل سيكون تدفق الأموال من البنوك المركزية والحكومات كافياً لمنع حدوث ركود قوي طويل الأمد أو حدوث ما هو أسوأ من ذلك؟

بينما هناك تحذيرات بأن الاقتصاد العالمي سيعاني من أكبر تراجع في النمو منذ الأزمة المالية عام 2009، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وتوقعت المؤسسة البحثية نمواً بنسبة 2.4 فقط في 2020، منخفضة من 2.9 في المائة في كانون الثاني.

وقالت أيضاً إن تفشي المرض (لفترة أطول وأكثر كثافة)، يمكن أن يخفض النمو العالمي إلى 1.5 في المائة في عام 2020 نتيجة تعليق المصانع نشاطها وبقاء العمال في المنزل في محاولة لاحتواء الفيروس. فيما رأى بعض المحللين أن الأسواق قد تشهد تقلّباً إلى أن تتم السيطرة على الوباء.

ويخشى المستثمرون من أن يؤدي تفشي وباء كورونا إلى تدمير النمو الاقتصادي، وألا تكون الإجراءات الحكومية كافية لوقف التراجع. واستجابة لهذا الوضع، قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة. ومن المفترض أن تؤدي هذه الخطوة نظرياً إلى تقليل تكلفة الاقتراض، وبالتالي تشجيع الإنفاق، ثم تعزيز حالة الاقتصاد.

وقد قدر مدير صندوق إنقاذ منطقة اليورو أن أوربا بحاجة إلى 500 مليار يورو أخرى على الأقل من مؤسسات الاتحاد الأوربي لضمان تعافيها الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا السلبية.

 وتراجع الاقتصاد الصيني بنسبة 9.8٪ خلال الربع الأول من هذا العام، في حين تراجع الاقتصاد الأمريكي بنسبة 7.1٪ خلال الربع الأول أيضاً، بينما تواصل البورصات العالمية النزيف، ولم تفلح أغلب الأسواق في الخروج من المنطقة الحمراء رغم خطط الإنعاش التي اتخذتها الدول لتحفيز اقتصاداتها في مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، وفي مقدمتها الخطط الأمريكية، فالتحولات الكبيرة في أسواق الأسهم، وشهدت مؤشرات FTSE وداو جونز الصناعي ونيكي انخفاضات هائلة منذ بداية تفشي الوباء في 31 كانون الأول (ديسمبر).

وحقق مؤشرا داو جونز وFTSE مؤخراً أكبر انخفاض لهما في يوم واحد منذ عام 1987. بينما سجلت العقود الآجلة لأسعار النفط تسليم شهر أيار تتداول بسعر 19.47$ للبرميل، والعقود الآجلة لخام برنت تسليم شهر حزيران تتداول عند سعر 28.34$ للبرميل. ووصل عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانة البطالة إلى مستوى قياسي في الولايات المتحدة، مما يشير إلى نهاية عقد من التوسع لأكبر اقتصاد في العالم. ويتوقع خبراء أن الاقتصاد الروسي الذي حقق نمواً بنسبة 1.3 بالمئة العام الماضي، سينكمش بنسبة 5 في المئة خلال العام الحالي، فيما توقعت مؤسسة غولدمان ساكس أن يشهد الربع الأول من العام الجاري انخفاضاً في النمو بنسبة 0.3% في اليابان.

‏كيف سيبدو الاقتصاد في أعقاب وباء فيروس كورونا؟

سؤال طرحته مجلة (فورين بوليسي) على ٩ مفكرين بارزين، منهم خبراء حائزون على جائزة نوبل في الاقتصاد، طالبة منهم وضع تنبؤاتهم حول النظام الاقتصادي والمالي في أعقاب وباء فيروس كورونا، وأهم ما جاء في إجابات المفكرين الاقتصاديين:

ـ النظام الاقتصادي القادم سيتسم بمرونة أكبر، ويكون أكثر حساسية لحقيقة أن العولمة الاقتصادية سبقت العولمة السياسية بفارق كبير، وستسعى الدول إلى تحقيق توازن أفضل بين الاستفادة من العولمة وتحقيق درجة ضرورية من الاعتماد على الذات.

‏ـ بناء مؤسسات دولية جديدة تسمح بتقاسم المخاطر بين الدول.

ـ العمل على بناء سلاسل إمداد محلية وقوية – والاعتماد بشكل أقل على سلاسل الإمداد العالمية.

ـ عدم حدوث أي نمو اقتصادي عالمي – مزيج من نمو منخفض في الإنتاجية، وضعف عوائد الاستثمارات الخاصة، وشبه انكماش اقتصادي.

‏ـ اتساع الفجوة بين الدول الغنية وبقية العالم في مدى صمودها أمام الأزمة.

ـ سيستمر العالم في اعتماده المفرط على الدولار الأمريكي في مجال التمويل والتجارة.

ـ ستدفع القومية الاقتصادية بشكل متزايد الحكومات إلى إغلاق اقتصاداتها عن بقية العالم.

ـ‏ـ البنوك المركزية ستظل منذ الآن ولفترة طويلة قادمة خط الدفاع الأول والأساسي ضد الأزمات الاقتصادية والمالية.

ـ الاقتصاد العادي لن يعود أبداً.

ـ العديد من الوظائف المفقودة لن تعود أبداً.

ـ الانتقال من العولمة التي ترتكز على الولايات المتحدة الأمريكية إلى عولمة أكثر تمحوراً حول الصين.

أما بالنسبة للدول ذات الاقتصاد الهش فسيكون تأثير هذا الوباء عليها كارثياً، وخصوصاً أنها تفتقد لمقومات الأمن الغذائي، فهي اقتصادات تعاني من الأساس من انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي ومعدل النمو والبطالة والفقر، والآن بعد تعطل حركة الإنتاج وتوقف المصانع، وهي بالأصل لا تنتج ما يكفي لسد حاجة شعوبها الاستهلاكية، وبعد زيادة الطلب على المواد الغذائية بشكل كبير، وبالتالي ارتفاع الأسعار هو سيد الموقف وما ينتج عنه من نتائج على اقتصاداتها، ستكون في وضع خطير من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذا ينطبق على الداخل السوري الذي يعاني من ويلات الحرب، وجاء الوباء ليفاقم المشكلة دون أي إجراءات حكومية تذكر لتدارك الوضع المرعب لارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة السورية.

ما بين توقعات وتحليلات وتصريحات كثيرة ما بين الكساد أو الركود، ومن ثمّ الوصول حتماً إلى حالة انكماش حرجة عالمية، يقف العالم اليوم أمام تحديات عظيمة ما بين الصحة والاقتصاد، ويعمل على إجراءات كبيرة في كلا الجانبين على أمل تقليص الخسائر البشرية والمادية المرافقة لهذا الوباء.

العدد 1102 - 03/4/2024