فيروس التُجّار

مرح محمد نبيل السمكري:

كأن كل المأساة لم تكن كافية، وكأن كل حروبنا الباردة لم تكن سوى عرض مسرحي ينتظر ارتداد الستارة للرجوع إلى يوتوبيا، ربما لو أتى كورونا بجولة استطلاع قبل الدخول إلى سورية، لعرف أن وعاء المأساة قد امتلأ، وأن ضحاياه مقتولو الأرواح قبل دخوله. لو يعلم كورونا أنه لا يأتي وحده، بل إن معه حاشية من الطغاة يفتكون بالمرضى والأصحاء، هذه الحاشية هي الفقر والطمع.

منذ اقتراب وصول الفيروس إلى سورية، وبعد أن سجل دخوله إلى لبنان، بدأت حالات الذعر والخوف والترقّب للحظات وصول الجائحة، حتى أتى يوم 21 آذار وسجِّلت أول إصابة بفيروس كورونا، إذ أصدرت الحكومة بعدئذٍ قراراً يقضي بمنع فتح كل المحلات التجارية. هنا بدأ الشعب يأخذ الأمر على محمل الجد، وهرول إلى المحلات الغذائية لشراء المؤونة الكافية التي تضمن له عدم انقطاعه منها في حال توقف إنتاج المعامل الغذائية، وتضمن له عدم حاجته للخروج من المنزل بغية شراء الغذاء. وفي هذه الظروف وجد التجّار الفرصة الذهبية لتحصيل أكبر قدر من الأرباح، وإفراغ جيب المستهلك الذي يكاد لا يؤمّن قوت يومه، لتعبئة جيوبهم بالمزيد من الملايين.

ماهي إلاّ أيام قليلة بعد الحجر حتى تضاعفت الأسعار تقريباً، وارتفع سعر ربطة الخبز السياحي من 400 ليرة سورية إلى 700 ليرة، وقِس على ذلك مختلف الحاجات من الخضروات والكونسروة والأجبان والألبان، وعندما تناقش البائع وتستفسر عن سبب الغلاءـ تسمع أحد الأجوبة التالية: (كل شيء ارتفع ثمنه ولن يتوقف الأمر عليّ! أو الغلاء لم يبدأ من عندي، فأنا اشتريت بثمن مرتفع! أو أزمة الليرة رفعت كل الأسعار). ومازال الجميع يجهل علاقة أزمة الليرة بارتفاع ثمن البيض مثلاً، فلا هو مستورد، ولا الدجاج مستورد، والأمر ذاته بالنسبة للخضراوات والفواكه المحليّة، فمن المخجل أن تشتري خيرات بلادك ومنتجاتها بأسعار المنتجات المستوردة.

ومازال التّجار حتى لحظة كتابة هذا المقال يتفننون في أساليب تخفيض جودة المنتج أو تصغير حجمه أو رفع ثمنه، وربما هذه الثلاث معاً، وما زاد الطين بلّة، وجعل الوضع المعيشي يُحزن القلب هو توقف الأشغال وإغلاق منافذ الرزق، الذي تجرّع تأثيره أصحاب المهن ذات الدخل اليومي، مثل سائقي وسائط النقل العامة، ومحلات الحلاقة أو محلات الخدمات والتصليحات، وحتى العمال أصحاب الدخل المحدود.

لقد أصابت الحكومة حين اتخذت القرار الصحيح بفرض حظر التجوّل، وحين قررت إغلاق محلات التسوّق، فمعظم الشعب السوري مازال إلى اليوم يسير على مبدأ (نحن لا نخاف من كورونا) فلو اعتمدت الحكومة على وعي الشعب لكنّا اليوم من أوائل البلدان في أعداد الضحايا والإصابات. ولكن الحكومة ذاتها غفلت عن الوضع المعيشي، وعن وجوب تأمين تعويض مادي أو توزيع صناديق غذائية للشعب، على الأقل المتضرر منهم، مع أنها قامت بتأمين الخبز وتوزيعه على الأحياء، وكانت هذه خطوة جيدة إلاّ أنها لم تكمل طريقها.

والأهم من ذلك كله تغافلت عن ضبط الأسعار، حتى أصبح التجار كالطغاة يُنفّذون خططهم دون مهابة للقانون، وإذا هدّدتهم بالشكوى للتموين تشعر وكأنك ألقيت عليهم نكتة، فلو بقي الوضع على ما هو عليه أسابيع أخرى لوجدت الناس إمّا تموت جوعاً أو تلجأ للسرقات.

إن الحكومة تتخذ خطوات إيجابية ولكن ببطء، والمتحكمون بالسوق من التجار يأخذون خطواتهم الدنيئة بسرعة، والمواطن عالق بين الاثنين، يقضي أيامه في الشكوى والتنهّد، ويخبر وسادته كل ليلة بأنه استنفد قدرته على التحمّل، وليس لديه القدرة على معارك أخرى، لكنه يستيقظ صباحاً ليخوض معاركه من جديد.

العدد 1104 - 24/4/2024