قرارات تتلوها أخرى

وعد حسون نصر:

مع اجتياح كورونا للعالم بشكل عام، اتخذت الحكومات في كل أنحاء العالم قراراتٍ إسعافية أو احترازية كي تتصدى لهذا الوحش المجهري.

 ونحن في سورية لسنا ضدّ أيّ قرار فيه نجاة للبلد، وإنما سؤالنا الوحيد: هل درست الحكومة هذه القرارات وتأثيرها على المواطن؟ علماً أن المواطنين جميعاً في توافق مع وجهة نظر الدولة بأن شفاء الوطن وتعافيه أولاً، والحدّ من انتشار المرض، وكذلك الحدّ من العلاقات الاجتماعية والالتزام بمنع التجوّل كي يتمّ الحدّ من انتشار الوباء. أيضاً نحن جميعاً نسعى لكي نجتاز مرحلة الخطر ونخشى على من نحب من العدوى وخاصةً أطفالنا، لكن يبقى السؤال الأهم للحكومة والوزراء الكرام: هل نظرتم إلى الوضع المادي الذي يعيشه المواطن السوري أولاً قبل سنّ القرارات الاحترازية؟! وجميعنا داخل الوطن الحبيب سورية نعمل بما يُسمّى المياومة أو العقود أو ضمن قطاعات خاصةً، وفئة قليلة تعمل لدى قطاعات الدولة، وسواء كنّا ضمن القطاع الخاص أو العام فالأجر لا يكفي لشهر كامل، رغم أن الفرق بين القطاعين أن الأجور في العام تبقى سارية وإن توقف العامل عن العمل، لكن في الخاص كل يوم عطلة يُحسَم أجره من الراتب، أي إن تعطيل العمال عن العمل فيه خسارة لهم وللمؤسسة التي يعملون فيها، فهل أُخِذَت هذه النقطة بعين الاعتبار حين اتخاذ الحكومة لقرار وقف العمل؟ وهل نظرت إلى العائلة التي لا تملك منزلاً كيف ستستمر في دفع أجرة منزلها وهي متعطلة عن العمل!؟

  نحن لسنا ضدّ الحجر للتقليص من تفشي الوباء، لكن نتمنى من حكومتنا الكريمة النظر بوضع العمال وأصحاب المحال التجارية وأصحاب مركبات النقل من منظور آخر، فإذا لم يعمل هؤلاء لا يمكن أن يأكل أطفالهم، لذلك نرجو من حضراتكم، باسم أصحاب هذه المهن وهذه المحال، السماح بالعمل ضمن إجراءات تحمي الجميع أو التعويض المادي للأسر المتضررة.

إن القرار الأخير الصادر عن السيد وزير التجارة الداخلية بشأن توزيع الخبز عبر البطاقة الذكية، يدفعنا لمخاطبته بالقول إن أغلب شرائح شعبنا تقتات على الخبز فقط خاصةً أننا خارجون من حرب طاحنة بخسائر كبيرة وما زالت رحى هذه الحرب تطحن عظامنا، لذلك نتمنى بصوت سوري واحد أن يكون الخبز، الذي هو كفاف يومنا، خطاً أحمر خارج كل الإجراءات الاحترازية، ولا ننسى الغاز عصب الحياة ودفء الأطفال في البرد القارس، فإن لم يتوفر الغاز فلن يوجد طعام ساخن لهم ولنا.

 نأمل تخفيض فترة استلام الأسطوانة أو عودتها كما كانت بلا بطاقة وخاصةً أننا نعيش حالة تقنين في التيار الكهربائي، فكيف لنا أن نعيش وكل مقومات الدفء مفقودة، لاسيما في ظلّ غياب مازوت التدفئة عن كثيرين منّا في الشتاء، نأمل من حكومتنا الموقّرة أن تنظر إلينا كما نظرتها إلى ذاتها، فنحن لا نملك مكانة ولا مركزاً نتمكّن من خلاله توفير الدفء، ولا نمتلك قوتاً آخر بديلاً عن الخبز، ولا نحن نسكت العطش بالعصائر ريثما يحضر الماء، أقلّ ما يمكن توفيره من قبلكم هو المقومات الأساسية لنا، وبعدها أغرقونا بالقرارات، لكن ما دمنا لا نمتلك أي مقوّم فكيف لنا أن نتقبّل هذا الكم الهائل من الإجراءات في فترة أقل من شهر؟ كيف لنا أن نعد قطع الخبز ونحن لا نملك غيره قوتاً لنا؟!

نتمنى من الحكومة الموقرة أن تقف بجانبنا لنكون لها العون، فلا يمكن لوطن أن يُعمر وبطون شعبه خاوية، أو يقبع في الشوارع لا سقف غير السماء ولا فراش إلاّ الأرض، فالجائع لا يفكر أن يبني وطناً لأنه مشغول بمحنه ويبحث كيف يشبع البطون، ومن يشعر بالبرد لا يمكن أن يرسم الألوان، أو يُزهر بين يديه الورد في أرض الوطن، لأن البرد نخر العظم وكسر الريشة وطار اللون الأحمر من الزهر، لذا لا يمكن لوطن أن يُبنى إذا كانت الحكومة في واد والشعب في واد، وجعنا واحد وعدونا واحد، ووطننا واحد،  فلنعمّره يداً بيد، ولننهض لنواكب الأمم المتحضّرة!

لذلك عودوا إلى القرارات ولوّنوها بريشة من يد أبناء الوطن، حينئذٍ يعود الربيع ونعود جميعنا أسرة تشبع من قمح البلد وترسم أحلامها تحت دفء الوطن.

العدد 1104 - 24/4/2024