حكومتنا تنقلنا من تحت الدلف لتحت المزراب

سليمان أمين:

تدمع العين لمشاهد حوارينا وشوارعنا اليوم، التي فقدت ناسها بعد تطبيق إجراءات حظر التجوال الليلي الذي من المحتمل أن يمتد لساعات تشمل النهار أيضاً، كما صور الأسواق السورية النابضة بالحياة على مرّ الحقب الزمنية والتي تقف رغم كل الظروف والحروب باتت خاوية حزينة بعد أن هجرها تجارها وعمالها بقرار الحكومة الإجرائي لمواجهة انتشار فيروس كورونا، أما الأكثر إثارة للحزن والتساؤل هو حال المواطنين اليوم الأكثر من سيئ، والأسوأ من هذا كله هو الاستغلال الكبير من قبل تجار المواد الغذائية والمخابز الذين غابت عنهم الرقابة نهائياً وعدم وضع آليات معالجة جيدة، فالمهم لدى حكومتنا الرائعة هو إصدار القرارات  فقط دون وضع خطط تنفيذية تحمي المواطن وتحمي معيشته من الخطر، ما يحصل يمكن وصفه بأنه أسوأ أنواع الجريمة التي ينفذها تجار المواد الغذائية بدم بارد ضد الشعب، وعين الحكومة الساهرة تراقب وتضحك لهم دون عقاب أو مساءلة، الوضع اليوم لم يعد محتملاً أبداً، فإذا استمر الحال على هذا المنوال لا تلوموا المواطن إن ألغى الحظر وخرج للعمل غير آبه بكورونا ولا بما هو أعظم منها من وباء قاتل، فالإنسان لن يوقفه أي شيء عندما يشتد جوعه، فالجوع كافر وغريزة أساسية متمردة.

المواطنون السوريون 60% منهم يعملون بالأعمال الحرة، أي يعيش على اليومية وليس لديه راتب يتقاضاه من الحكومة كما في دول العالم المتقدم يحصل فيها أي إنسان سجل بقيود الدولة على راتب شهري يكفيه ليعيش، واقعنا اليوم بعد سلسلة الإجراءات أوقف الناس عن العمل بشكل نهائي وسبب ضرراً كبيراً جداً، ومن خلال جولاتنا المستمرة لامسنا وجع الناس وقد بدأ ينفد صبرهم، فليس لديهم أيّ مدخول منذ أسبوعين أو أكثر ولم يعد لديهم إمكانيات حتى لشراء ربطة من الخبز ليطعموا أطفالهم، فكثير من المواطنين بسبب الحرب لديهم نفقات كبيرة جداً من أجرة البيوت التي يسكنونها وقد رفع أصحاب العقارات إيجاراتها مستغلين الظرف الحالي وغياب الرقابة الحكومية عنهم، إضافة إلى سعيهم لتأمين حاجات أسرهم التي تضاعفت أسعارها بسبب ارتفاع الأسعار بفوارق كبيرة خلال أسبوعين، فأقل كيلو رز اليوم سعره 800 ليرة سورية، وليتر الزيت 1500 ليرة …الخ، إضافة إلى خروج ربطة الخبز الحكومي عن سيطرة الحكومة وخضوعها للتجارة من قبل بعض تجار الوطن والدم، فربطة الخبز الحكومي تباع بـ 150 ليرة وبأقل من وزنها في كثير من المحلات، كما تم تخفيض إنتاج المخابز الحكومية والأفران المدعومة إلى أقل إنتاجية والواقع يتكلم وازدحام المواطنين للحصول على ربطة خبز واحدة بات يشبه الحلم، وكما تناقلت بعض الصفحات أن الخبز الحكومي سوف يصبح على بطاقة الحكومة الذكية، فماذا يمكننا القول سوى أن لقمة المواطن الأساسية يتم تحريرها وفق أسعار السوداء المنتعشة بظل الظروف الحالية؟! ولم يكن وضع المخابز الحكومية هو الوحيد الخاضع للتجارة، بل تحولت الأفران السياحية أيضاً للطريقة نفسها بعد أن بات الازدحام اليومي عليها من قبل المواطنين لا يوصف، فالمواطنون همّهم الوحيد اليوم هو الحصول على ربطة الخبز، مع غياب آليات توزيع الخبز وبيع أغلب إنتاجها للتجار وأصحاب المحلات ليتم بيع الربطة بعد إنقاص وزنها بحدود 600 ليرة وأكثر مع العلم بأن آخر تسعيرة لكيلو الخبز السياحي هو 400 ليرة سورية.

ما نحتاجه لسنوات طويلة مرت كمجتمع سوري هو وضع آليات علاجية لكل قرار بشكل منهجي جيد يقي المجتمع الانعكاس السلبي لتنفيذ القرار، لكن حتى اليوم لم يكن هناك أي قرار له تأثير إيجابي على المواطنين بل كان العكس، والحكومة آخر همها المواطن. نعود لواقع الاجراءات الأخيرة ونسلط عليها بعضاً من الضوء فنجد أن الانعكاس سلبي للغاية ولم يحمِ المواطنين من أي إصابة بفايروس وبائي وما هو أخطر منه، الازدحام الحاصل حتى اليوم سواء في الأسواق وعلى المخابز السياحية التي انتعشت بعد حرمان المواطنين من الخبز الحكومي وتسكير الأفران بوجهه لأنها تخلق ازدحاماً، فانتقل الازدحام وأصبح أسوأ بكثير على باعة الخبز والأكشاك وعلى الأفران السياحية، كما الازدحام الحاصل على منافذ البطاقة الذكية والذي يعتبر الأخطر والأكثر ذلاً للمواطنين في تاريخ سورية الحديث، فما يمكننا استخلاصه بما يقوله المثل لقد انتقلت بنا الحكومة (من تحت الدلف إلى تحت المزراب)!

العدد 1102 - 03/4/2024