كورونا في زمن الأزمة

ماري مرشد:

ما كان البارحة روتينياً وعادياً أصبح اليوم غير عادي ولا مقبول، ففكرة أن تخرج من البيت أصبحت غير صحيحة لأنها قد تحمل لك عدوى ليست محتملة.. ومنذ متى كنّا هكذا؟

حقاً ما كنّا نظنّه مزحة تحول إلى حقيقة كسجن عالٍ مُحاط بالقيود، تكاد لا تُخرج رأسك من النافذة، أو تفكّر حتى في مغادرة المنزل مخافة من الوباء القادم، تحوم ببالك ألف فكرة وربما لا تخاف على نفسك بقدر خوفك على من حولك، تحاول الهروب من كل تلك الأفكار فتجد العالم كله حولك يتحدّث عنها.

 فقد كان لمنصات الإعلام الرقمي مساهمة في كسر الحواجز وإزالة الحدود بين شعوب العالم، وتحوّلت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة تتلاشى فيها حواجز الزمان والمكان. وقد أصبحت هذه المنصات سلاحاً ذا حدین، فمن جهة هی وسیلة تتيح مساحات للتعبیر عن الرأي ونقل وتغطیة الوقائع، ومن جهة أخرى أخذ الإعلام الرقمي منحىً ثانياً في تأجیج الأزمات وبثّ خطابات الكراهیة والتحریض على العنف، فلم تعد الحواجز ولا الرقابة ولا المصادر قادرة على منعها والحدِّ من تأثيرها.

وحالياً في ظلّ انتشار فيروس كورونا تلعب هذه المنصات دوراً هاماً إمّا في خلق وتعزيز الانسجام والمشاركة والمسؤولية بين أفراد الشعب الواحد، حين تقدم لهم النصح والإرشاد والتوجيه والأخبار، وتبثُّ الطمأنينة في نفوس الناس الذين تستهدفهم. أو أن تكون مصدراً لمجموعة من الأخبار المُضلِلة التي تنتشر بشكل سريع ويتمّ تداولها بين العامة ظنّاً منهم بصحتها، ودائماً ما تكون هذه الأخبار بهدف المزاح واللهو وتفتقر إلى الموثوقية.

تتنوع استخدامات هذه الأخبار مع مبتغيات مثيريها، فمنها ما يكون بهدف السخرية يقوم بتداوله ونشره الأفراد لتسخيف المشكلة، ومنها ربحي (ذو هدف مادي) تعتمده الفئات المستغلة لكل أزمة كتجار الأزمات، ومنها ما يكون خلفه أهداف سياسية وعادةً ما تحصل في الحروب أو في حالات الطوارئ كالأزمات والأوبئة، وتهدف هذه المنشورات إلى إحداث إرباك في صفوف الطرف المعني مجتمعاً ومؤسسات. 

أما عن موقف السلطات تجاه من يقومون بنشر أخبار مغلوطة، فنخص بالذكر ما ورد في القانون السوري إذ تنص المادة ٢٨٦ من قانون العقوبات السوري على:

(يعاقب كل من أذاع في سورية في زمن الحرب أنباء يعرف أنها كاذبة أو مُبالغ فيها أو من شأنها أن توهن نفسية الأمة بالأشغال الشاقة المؤقتة …).

هذا ما نصّ عليه القانون السوري ووضع عقوبة له، لأنه في حال نشر أخبار زائفة والناس مرتبكون، فالإنسان في حالة الخوف والقلق ترتفع لديه قابلية تصديق أمور كثيرة لا أساس لها من الصحة. وهو مستعد لأن يفسّر الحوادث العادية تفسيرات خاطئة ويبالغ في تقديرها، كما أنه يصبح أكثر قابلية للعدائية تجاه الآخرين وتزداد لديه مشاعر الخوف وانعدام الثقة وحتى الكراهية تجاه الآخرين.

بطبيعة الحال فإن نشر أخبار كاذبة يشكّل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان لما يسببه من تداعيات عليه ليست بالضرورة نفسها في حالة السلم والاستقرار، ولكنها بالتأكيد أشدُّ وطأةً على حياة المدنين والفئات الأكثر عرضة للخطر في الأزمات.

لذلك يجب علينا أن نعي ونساهم في ردع ومعاقبة المسؤولین عن كل من يستغل الأزمة لتحقيق مصلحته الشخصية على حساب المصلحة العامة ويكون القانون وسيلتنا في ردعه.

العدد 1102 - 03/4/2024