الفن.. رسالة إنسانية للحق والحقيقة
إيمان أحمد ونوس:
منذ خطواته البدائية الأولى على طريق الحضارة الإنسانية التي ما زالت مستمرة، رسم الإنسان الأول ملامح أفكاره ورؤاه عن ذاته وعن الكون حينذاك، فكان لصدى صوته، آنذاك، وقعٌ أثير ومُستهجن في آنٍ معاً، لكنه بعدما عرف السرّ، ابتدع التراتيل في المعابد ليُعبّر عن مكنوناته ومخاوفه وتضرّعه للآلهة كي تحميه، وابتدع الرقص لترضى عنه الآلهة.. وقبل أن يتعلّم الكلام، وحين ابتغى الحوار مع الجوار ابتدع الخطوط والرسوم والإشارات كي تصل أفكاره إلى الآخر فتسهل الحياة وتحلو ويطمئن لها.
هكذا نشأت الفنون بمختلف أشكالها وتطوّرت بتطوّر تفكير الإنسان حتى صارت أحد أهم الأدوات التعبيرية في سبيل الارتقاء بالإنسانية الساعية أبداً للعدالة المنشودة على الأرض.
كان الشعر عبر التاريخ ديوان الثورات على الظلم، فكم من أشعار ذهبت بأصحابها إلى المقاصل وبالشعوب إلى ثوارت أخذت الطغاة إلى مجاهل النسيان. وهنا نستحضر أسماء شعراء لهم الأثر الأكبر في الشارع العربي، أمثال محمود سامي البارودي، أبو القاسم الشابي، أمل دنقل، محمود درويش وغيرهم كثير من الذين أسسوا لانتفاضات ثورية ضدّ الاحتلال أو ضدّ الأنظمة الديكتاتورية. والأثر ذاته امتلكته الأغنية الملتزمة التي ألهبت مشاعر الملايين في العالم، فكانت المحاولات جادّة من قبل السلطات المختلفة (دينية، سياسية، اجتماعية وغيرها) لكبح أصوات ثورية كالشيخ إمام ومارسيل خليفة.
وفن الكاريكاتير أيضاً يمتلك القدرة ذاتها على النقد بما يوازي الكثير من المقالات والتقارير الصحفية، بما يصوغه من حوار حقيقي بين المبدع والمتلقي بسلاسة تفتقدها العديد من تلك المقالات والتقارير الصحفية، ولعلّ ناجي العلي أحد أهم رموز هذا الفن، فقد تميّز بالنقد اللاذع من خلال رسوماته الشهيرة التي حاكى من خلالها مختلف القضايا والتحوّلات السياسية والاجتماعية التي عاصرها، ما دفع بالصهيونية للخلاص منه ومن تأثيره في الشارع العربي، فاغتالته في لندن عام 1987.
من هنا نكتشف أن للفن دوراً وتأثيراً أكبر بكثير من أعتى الأسلحة الحربية الحديثة، وأعظم من أرقى التحليلات السياسية والاقتصادية وسواها في سعينا للوصول إلى الحقيقة المُغيّبة خلف قضبان الشعارت البرّاقة التي تغتال حقوق الإنسان في زمن مللنا فيه من تلك التراتيل العقيمة.