أعياد آذار واستنفار وقائي
محمود هلال :
صادفت أعياد آذار هذا العام مع قرار الحكومة بتعليق الدوام في الجامعات والمعاهد والمدارس العامة والخاصة، لمدة ثلاثة أسابيع، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، مثل تخفيض ساعات العمل، وحجم عدد العاملين، وإلغاء البصمة، وإلغاء الأنشطة العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية التي تتطلب تجمعات وحشوداً بشرية، وإغلاق صالات المناسبات، ومنع الأراجيل في المقاهي والمطاعم، وتعقيم وسائل النقل الجماعي، واستنفار الكوادر الطبية، وذلك بسبب اتساع رقعة انتشار فيروس كورونا على المستوى العالمي، وحرصاً على صحة المواطنين وسلامتهم، الأمر الذي يمنع الاحتفال بهذه المناسبات الغالية على نطاق واسع وضمن المدارس حرصاً على السلامة للجميع، لكن لابد من بضع كلمات في هذه المناسبات.
يجمع شهر آذار عدة مناسبات وتتعانق فيه الأعياد، ففيه عيد المرأة وعيد المعلم وعيد الأم وعيد الربيع (النيروز)، وفيه نهاية خمسينية الشتاء وبداية فصل الربيع بالنسبة للفلاحين.
يعدّ آذار شهر المرأة بامتياز، وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة والرفيقة والصديقة وهي الحب والسعادة، والفكرة والقوة والمعرفة، ويمكن اختصار تلك الصفات بكلمة واحدة هي: الحياة.
عيد المرأة يتقاطع مع المناسبات الأخرى، فهي المعلمة والمربية الفاضلة، وهي الأم الحنونة، وهي الربيع المزهر الجميل.
ومنذ الأزل كانت المرأة شريكة للرجل في هذه الحياة، وكانت إلى جانبه ومعه في السراء والضراء والعمل، وتكدح من أجل بناء أسرتها وتربية أطفالها، وتقاوم الطبيعة والوحوش الضارية من أجل البقاء، وتسعى دائماً للوصول إلى أهدافها وغاياتها النبيلة والسامية، مسيرة كفاح المرأة طويلة وشاقة، ومازالت تناضل ضد الظلم والقهر والجهل والتخلف والتمييز والأعراف والعادات والقوانين البالية، ومازالت واجبات المرأة هي حقوق الرجل، ومثلما كان الرجل والمرأة معاً في غابر الأزمان، يجب أن يكونا معاً في هذا الزمن الصعب، الذي حمل لنا الكثير من الحروب والآلام والأوجاع والقهر والعذاب.
المعلمون، ولا شك، هم أصحاب الرسالة المقدسة، وهم بناة الأجيال الحقيقيون، لأنهم يبنون الإنسان الذي هو ركيزة المجتمعات وأساس تقدمها. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت هدم حضارة، أسقِط الأسرة، والتعليم، والقدوة، ولكي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور (الأم)، والأهم أنها هي مدرسة بحد ذاتها، ولكي تهدم التعليم، عليك بـ(المعلم)، لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلِّل من مكانته حتى لا يحترمه طلابه. ولكي تسقط القدوات عليك بـ(العلماء)، اطعن فيهم، قلِّل من شأنهم، شكِّك فيهم حتى لا يسمع لهم أحد، فإذا اختفت (الأم الواعية) و(المعلم المخلص) وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشء على القيم؟!
يبقى السؤال الذي يطرح: ما هو حال المعلم عندنا اليوم؟!
في الحقيقة لقد تغيّر واقع المعلم في سورية كثيراً جداً، ولا يمكن مقارنة وضع المعلم اليوم مع وضعه في عقود مضت، إذ كان للمعلم مكانته ودوره في المجتمع وفي الوسط الذي يعيش فيه، سواء في الحي أو في القرية أو في المدينة، فهو كان محترماً من الجميع والكل يكن له التقدير، وكان يقدم النصح والمشورة لأهل بلده، ويحل الخلافات والمشاكل التي تحصل بينهم، وكان الطلاب آنذاك يهابون المعلم ويحترمونه، إضافة إلى ذلك كانت أوضاعه المادية أفضل، فقد كان الراتب يكفيه ليعيش حياة كريمة، وليكون عنده الوقت الكافي ليطور معرفته ويزيد من كفاءته، وليس مضطراً للقيام بأعمال إضافية ليتدبر نفقات المعيشة التي أصبحت فوق طاقته بكثير، أو حتى بإعطاء دروس خصوصية – تعرّضه للمساءلة والعقوبة- كما يفعل كثير من المعلمين اليوم، الأمر الذي أساء للمعلم وقلل من احترامه من قبل طلابه، إذ أصبحوا يقيسون العلاقة على أساس العرض والطلب من منطلق تجاري بحت، وهذا الموضوع له تفرعاته وتشعباته الكثيرة.
كلنا أمل أن يكون وضع المعلم في بلدنا أفضل وأحسن، في القادم من الأيام، لأنه هو الأساس في عملية البناء الشاملة وإعادة إعمار الإنسان من جديد، لكي تكون سورية أجمل وأقوى، وأن يحمل آذار الفرح والسعادة لنسائنا وأمهاتنا ومعلماتنا، وأن يعيد البسمة إلى شفاه أطفالنا، ويبعد الكآبة عن مواطنينا، ويعيد الربيع إلى نفوسنا ويجدد طاقاتنا وقدراتنا.. ولكي نكون أقوى من أي خطر أو (كورونا) يهدد حياتنا ووجودنا، ودمتم بخير!