الانعكاسات الاجتماعية الكارثية للحرب التدميرية

د. سنان علي ديب :

لا يظنّنّ أحدٌ أن مجرد انتهاء العمليات العسكرية والقضاء على الإرهاب والإرهابيين هو دليل الانتهاء والتعافي الدائم، وإنما سيكون بداية الطريق، ومن هنا فإن الإحاطة بمنعكسات الحرب ذات أهمية، تزداد بالوصول إلى جذورها البنيوية، مضافاً إليها ما نجم عن الحرب من كوارث إنسانية. ومن هنا فموضوع بحثنا هنا من أهم المواضيع، وذلك لسببين، أولهما أنه لا يمكن العودة القوية لبلدنا والانطلاقة التنموية ومسايرة إنجازات جيشنا إلا بإعادة اللحمة لنسيجنا السوري الراسم للوحة جميلة لا يمكن تجزئتها او إنقاص أي قطعة منها، هذا النسيج الذي كان صلباً عبر عقود من النمو والتنمية القائمة على عدالة اجتماعية، رسخت نواتج تنموية في كل المجالات، قبل أن  يعمل البعض على إضعافها، بالخروج عن النهج الاقتصادي الاجتماعي، تحت ذريعة الاجتماعي ولو تحول النهج إلى اقتصاد السوق، والهدف تقويض دور الحكومة القوي الشامل، المتمثل بالدور الرعائي التنموي، هذا الدور الذي مازال البعض يحاول الضغط على الدولة لإضعافه، وهذا اللعب استثمره الأعداء عبر الإرهاب العسكري، وعبر التضليل الإعلامي، لتدمير بلدنا وتحويل الصراع إلى ما قبل الوطني. ونجم عن هذا الصراع الكثير من الأمراض، كثقافة العنف، والتعصّب، والأمية، والتسرّب المدرسي، وأدى إلى حالات من التفكّك الأسري، وأمراض اجتماعية خطيرة، كالعنوسة، وازدياد حالات الطلاق، وازدياد الفساد المسرطن ولو على حساب سفك الدماء، واستباحة الأرواح، وسيطرة القطاع غير النظامي  بشكل كبير، وانحلال قيمي وأخلاقي، وانتشار المخدرات والدعارة، وثقافات العنف والجهل والنقل بعيداً عن العقل، والأنانية المفرطة، ونزوح عدّة ملايين وتهجيرهم بين الداخل والخارج، وفجوة سكانية بفئة الشباب من خلال القتل، والإعاقة، والهجرة، والهروب، والنزوح، وازدياد حالات مجهولي النسب، وهجرة العقول والطاقات الشابة. وكما نعلم الموارد البشرية هي أهم الثروات، وكم من بلدان فقيرة بالثروات والموارد، ولكنها تعملقت وتمايزت عبر طاقاتها البشرية واستثمارها بشكل صحيح! وهذه الكوارث بانتشارها الكبير أفقياً وعمودياً تجعل الجهود الفردية ضعيفة التأثير، ولذلك لابد من تكاتف الجميع للتخفيف من سلبيات هذه الأمراض، فلا كبير أمام الوطن.

 ومن المؤكد أن  الأزمة لم تكن لأسباب داخلية، وإن استُثمرت كبدايات، ولكن البعد  الخارجي أثمر وعقد ودمر وقوّض الحلول، فمن تآمر امريكي صهيوني للحفاظ على الكيان الغاصب كقوة مسيطرة، ولتكريس الهيمنة الأمريكية على العالم، وللقضاء على حركات التحرر الوطني، ومحاولة حرف الصراع إلى صراع طائفي، والضغط على الدولة للتخلي عن دورها التنموي الإنمائي الاجتماعي، الذي استمر من خلال بعض الأدوات، في ظل عقلانية وواقعية إدارة الأزمة، في ظل حجم التآمر وتنوعه من إرهاب عسكري وثقافي وإعلامي  وعقوبات وحصارات وابتزازات، ما جعل الموارد محدودة والحاجات كبيرة، وأدى لتكتيكات لابد من بعض السلبيات، للوصول إلى الغايات النهائية بأقل الخسائر الممكنة.

فلم يكن بالإمكان أفضل مما كان، مع وجود فاسدين معرقلين لمسيرة الدولة التي أدارت الحرب ضمن الممكن، وضمن الإمكانات، بأساليب لتأمين الاحتياجات قد نراها الآن غير قانونية، ولكن في وقتها كانت حاجة ضمن الحصار، فكانت الأولويات تأمين الغذاء ومستلزمات الجيش، وتقوية ثقة الشعب والانتماء لدولتنا، وهذا ما أضاف تكاليف جديدة لإعادة الحياة للمناطق المحرّرة وللمهجرين ضمن الإمكانات والقدرات. وتبقى الأولوية هي الخلاص من براثن الاستعمار وذيوله، وهذا لن يكون إلا بجهود جماعية يجب أن  تكون مجتمعة، وكلّ تقاعس عن الانضواء الجماعي هو حالة لا وطنية، فبجهود القطاع العام والخاص والمشترك وكل وطني نصل إلى الحل، وإعادة منظومة القيم والأخلاق عبر إصلاح التعليم كحالة ضبط وانضباط، إضافة إلى المعرفة وتوحيد المناهج بما يعيد الانتماء والوطنية وينظّف العقول من الغزو الذي لحق بها، وكذلك إعادة الأهمية والاعتبار للعلم والمتعلمين بعد أن  اصاب الفساد مخرجاته، فإما نيل الشهادة عبر الفساد، أو شراء شهادات جاهزة من بلدان تريد تهزيل التعليم، وعبر أدوات مافيوية شريكة لها. وكذلك يجب الاستمرار بضبط المؤسسات المختصة، ومنها الدينية، لمواجهة الثقافات الغازية التي حاولت تشويه الأديان وحرفها عن مسارها الإنساني.

وكذلك الإعلام والمؤسسات الثقافية والجمعيات الأهلية التي كان أغلبها يسعى للظهور وللاستفادة على حساب الدور المنوط بها.

وكذلك تقوية دور الحكومة ومؤسساتها لإعادة الدور الإنمائي الرعائي والثقة بين المواطن والحكومة.

التأمين الصحي الشامل وخاصة للحالات الإنسانية ولتركيبة المجتمع السوري.

تعديل القوانين بما ينسجم مع الدستور ومنح المرأة الجنسية لأبنائها، بمراعاة حالة الأمن والسيادة الوطنية، وتقديم تسهيلات لعمالة المرأة التي ما زال على كاهلها أغلب أعمال المنزل.

دون نمو اقتصادي متوازن لا تنمية اجتماعية، ولا يمكن تحقيق النمو من دون الإحاطة بالفساد وسيطرة القانون وقطع ذراع أي شخص يحاول افتعال الأزمات للربح أو ضمن مخطط الإرهاب الاقتصادي لنصل إلى الإرهاب الاجتماعي.

لا مكان للتقاعس ولا لليأس، فمصلحة الجميع من مصلحة الوطن، ومصلحة الوطن علاج أغلب الأمراض لعودة القوة والصلابة لمجتمعنا، وأن نبتعد عن سياسة التخدير الجزئي أو الترقيع أو التأجيل للهروب من واقع سيلاقينا عاجلاً أم آجلاً.

العدد 1104 - 24/4/2024