لن يستجيب القدر

مرح محمد نبيل السمكري:

كان واقفاً في الشارع يُدخّن السجائر، ويتحرّش بالفتيات المارّات من جواره باختلاف أنواع التحرّش، سواء كان لفظياً أو جسدياً أو حتى مُجرّد نظرات جائعة، إلى أن وصلت الحافلة التي ينتظرها، وكالعادة كان الناس يتزاحمون على أبوابها، فما كان منه إلاّ أن تداخل بين الجميع بوحشية وأردى سيّدة مُسنّة أرضاً، وبعد جلوسه على الكرسي بدأ بحديث من نوع: (بحياتها هالبلد ما لح تصير، والشعب بدّو حرق، روحوا شوفوا برّا الناس كيف عايشة، شوفوا التنظيم والترتيب)!

ربما لم يخطر في باله أنه سبب تخلّف هذا الوطن، ولم يفكّر أيضاً أنه شخصياً من يحتاج ربّما إلى الحرق، وما زال عقله قاصراً عن أن التنظيم في دول العالم نابع من تنظيم الشعوب لحياتها واحترامهم للآخرين، وليس بسبب معجزة إلهية.

يؤسفني حقاً عدد المرات التي أسمع فيها شتيمة لطريقة عيش الشعب، من شخص يُمثّل أيقونة للحياة العشوائية والهمجية واللاأخلاقية، فلن يعاملك الناس بأخلاق ما دمت تعاملهم بوحشية، ولن يزيد مدير العمل مُرتّبك ما دمت تصل متأخراً إلى عملك وتقضي دوامك في شرب الشاي والقهوة، ولن تحترمك زميلاتك في العمل ما دمت تمثّل عليهن دور الشاطر المتفلسف، وزوجتك لن تعطيك اعتباراً ما دمت تعتبرها خادمة، ولن تُرفّع مواد الدراسة في الجامعة ما دمت تقضي ليلة الامتحان في الاستماع للموسيقا وتصفّح facebook ، ولن يبادرك جيرانك بالصباحات والتحيات إذا كنت تزعجهم بضجيجك، هذا هو قانون البشر. باختصار، ابدأ بنفسك وعمّر أخلاقك وطريقة تعاملك مع الآخرين حتى تحظى بالاحترام والمحبة، وبعد ذلك إن لم تحصل على النتيجة المطلوبة بإمكانك الثورة على المجتمع وأخلاقه، وبإمكانك إعطاء النصائح والمواعظ.

يمكننا إسقاط القانون السابق على الثورات العربية عامّة، الثورات التي فشلت، والتي نجحت، لكن لم تتغيّر طريقة العيش لدى الشعوب، تقول القصيدة المشهورة:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بدّ أن يستجيب القدر!

لكنه لن يستجيب بهذه الطريقة، فالثورة تبدأ من النفس صعوداً لا العكس، حريٌّ بالشعوب قبل مناداتها بالحرية من الحكومات أن تطالب بها في مجتمعاتها الصغيرة، يجب نيل حرية السيدات من الرجال، وحرية الرجال من أرباب العمل الطغاة، وحرية الطالب من أستاذه المتوحش، وحرية الولد من أهله المستبدّين المتلذّذين بمحو الشخصيات، والبنت من أخيها المُتحكّم.

إن المجتمعات العربية تعجّ بالتخلف والاستبداد، من أصغر فرد ومنظومة اجتماعية، لدرجة وصلت إلى ممارسة الاستبداد على الحيوانات، قرأت مرّة أن شعوبنا إذا رأت نملة تسير على الحائط تضع يدها في طريق النملة لتغيير مسارها، فما بالك بالاستبداد الذي نطبّقه فيما بيننا نحن البشر؟!

ثوروا على ذواتكم، قوّموها ثم انتقلوا لتقويم المجتمع، وكونوا قدوة حسنة يُقتدى بها!

يُمكننا القول إن الثقافة من الطرق الجيدة للثورة على النفس، فقراءة التاريخ مثلاً وسِيَرِ الشخصيات النبيلة كفيل بأن يُحفّزك على النبل، وقراءة الشعر والروايات والخوض في الفن والرسم والموسيقا أكثر من يُليّن القلب ويجعله هادئاً عطوفاً، فقلّما تجد فناناً همجياً متوحّشاً، وإن وجدته سيكون مُتعدّياً على الفن ويمارسه كمهنة لا كشغف نابع من القلب، كن لطيفاً واستغنِ عن فكرة (أُفضّل أن يخافني الناس على أن يُحبّوني)، فنحن لا نعيش ضمن فرع سياسي قائم على نجاح صاحب الهيبة الأقوى.

وفي النهاية، لو ثار كلُّ شخص على نفسه واحترم الجميع مهما كانوا لصارت المجتمعات أفضل حالاً وأقلّ مأساة وأكثر وعياً.

العدد 1104 - 24/4/2024