لماذا لا نتقايض الأفعال؟

غزل حسين المصطفى:

من النظرة الأولى إلى المكان ستُدرك فوراً الاهتمام الذي ناله حتى ظهر بهذه الحلّة الجميلة والمتناسقة، قد لا يمتلك إطلالة مُميّزة من الطابق الثاني ولكن بالمجمل أصبح حديث المنطقة، وقبل أن يستجمع دماغي الصورة بشكل كامل ويُخزّنها، وقعتُ على تلّة من النفايات، ستُعرف من النظرة الأولى كذلك أنها مُخلّفات ذلك المحل، نظراً للعبوات الصفراء الكرتونية الفارغة المجتمعة.

استثار ذلك غضبي ، كان كلّ شخصٍ زار المكان يتحدّث عن لذيذ مذاق (الشاورما) والنظافة والاهتمام بالتفاصيل، لكن لم يلحظ أحد قطعة الأرض المجاورة التي حوّلها إلى مكبّ. أنا على علم تام أنه ستُعقد المجالس للحديث عن إهمال البلدية، وسوء خدمات عمال النظافة، وتلاحق هذه القضية استنكارات متتالية عن مواضيع منفصلة بالمضمون متصلة بالمبدأ، وسينسى جميعهم، نعم جميعهم دون استثناء، مسؤوليته عمّا حصل وما وصلنا إليه.

من قال إن الدولة مارد سحري! (لا أخلي مسؤوليتها ولكن لا يمكن أن أكون جاهلة بمعطيات واقعية من فعل بني جنسي).

من قال إننا لسنا شركاء في كل العمليات والواجبات، ما دمنا نعيش على هذه الأرض وضمن حدود بلد واحد!

لماذا نُلقي المسؤولية على الآخر وننسى مسؤوليتنا؟!
نضرب المثل المشهور في حديثنا ولم نفكّر في تطبيقه (يدٌ واحدة لا تصفّق)

كيف يمكن أن أطلب من الجوار أن يحترموا وجودي ويسألوا عني وأنا لا أفعل ذلك، أو أفعل العكس!؟

لماذا لا يفكّر كل شخصٍ منّا من موقعه بأن يقوم بالخطوة الأولى دون أن يسأل عن التصفيق!

كل ما أذكره أنه في الصيف المنصرم كان هناك خللٌ ما في شبكة المياه، ممّا أدّى إلى وجود مكان ينبثق منه الماء بشكل مستمر، وبعد اليوم الأول الذي لم يُحرَّك فيه ساكن، استنفرت والدتي واتصلت بالجهات المعنية لحلّ المشكلة قبل أن تُهدر كمية أكبر من الماء، حينئذٍ سألتها جارتنا عن السبب الذي يدفعها لذلك فتكون المُبادرة وكل الحي يشهد الواقعة؟ ابتسمت والدتي وقالت: عندما سنفقد المياه مثلاً سننتفض ونغضب دون أن نسأل أنفسنا عن مسؤوليتنا تجاه ماءٍ هُدر أمامنا وكُنّا نتفرّج، وجود جهات مسؤولة لا يلغي مسؤوليتنا، نحن شركاء دون توكيل وورقة توظيف.
والموضوع لا يقتصر على هذا الجانب، بل يشمل كل مناحي الحياة بكل تفاصيلها، وإنما المثال للحديث عن المبدأ لا أكثر.

فذلك الشخص الذي أغلق على زوجته وابنته الأبواب والشبابيك، بذريعة أن المجتمع قذر، هو ذاته يقف عند كل ظهيرة يراقب انصراف طالبات الثانوية ويُسمعهن جمله الغزلية، وهو بذلك (متحرّش) يطلب من المجتمع أن يكون قويماً سليماً.
وآخر يستجرّ الكهرباء بطرق غير شرعية، ويأتي في كل مجلس ليلعن المعيشة، ويهزِّئ الدولة لأن التيار ينقطع أو قد يغيب عنّا.

وقبل أن أخوض في نقطة أخرى، أشير إلى أن ( أهل مكة أدرى بشعابها)، ولكن بالمجمل يطرح السؤال نفسه عليّ، أن ذلك الشباب الذي خرج في الشوارع تحت مسمّى (الربيع العربي) هل كان قادراً على تغيير نفسه قبل أن يُطالب بتغييرٍ جذري يشمل أركان الدولة والمجتمع كله؟

انطلاقاً من إشارة المرور التي يحتالون عليها، وصولاً إلى التخريب الذي يطول الممتلكات العامة دون أيّ رادع أو ضمير، سأقول (صدقاً من ذلك الصف الصغير في المدرسة حين كُنّا نُنظّفه بأنفسنا ونخاف من بعد ذلك على اتساخه لأنه تعبنا ونُباهي بفعلنا، بالمقابل قد كُنّا نهمله عندما كان هناك من يقوم بالمهمة ونلومه على التأخير): لماذا لا نتقايض الأفعال قبل أن نتسابق في إلقاء التهم واللوم؟ لماذا لا يصبح كلٌ شخص منّا رقيباً على ذاته قبل أن يفتتح محكمة يحاسب بها غيره؟ لنُفكّر في الإجابة وننطلق غداً بفكرٍ جديد يحملنا إلى التغيير انطلاقاً من ذواتنا.

العدد 1102 - 03/4/2024