بدل أن يكون طفلي سرُّ سعادتي يُصبح سبب كآبتي
وعد حسون نصر:
الكثيرات منّا تزداد كآبتها لاسيما بعد ولادة الطفل الأول، ربما للشعور بالعجز أمام هذا الجسد الضعيف والخوف من عدم القدرة على العناية به، ولأن الكائن الغريب اقتحم حياة الأسرة وبات فرداً جديداً فيها، فلم نعد شخصين، بل أصبحنا ثلاثة، والثالث هو الشخص الذي يحتاج إلى العناية والحب والاهتمام أكثر من الجميع.
لعلّ كل هذه التقلُّبات في المزاج ونوبات البكاء، والقلق والصعوبة في النوم، هي ما يُسمّى حالات الكآبة النفسية التي تبدأ خلال يومين أو ثلاثة من الولادة، وقد تستمر لمدة أسبوعين. لكن بعض الأمهات الجديدات قد يُعانين من أشكال اكتئاب أكثر حدةً وأطول زمناً، ويُعرف باكتئاب ما بعد الولادة، وهو شكل نادر قد يظهر بعد ولادة الطفل الأول ويسمّى أيضاً (ذهان ما بعد الولادة), ولعلّ أهم أعراضه صعوبة التعلّق بالطفل، الابتعاد عن العائلة والأصدقاء، فقدان الشهية أو تناول المزيد من الطعام بشكل يفوق المعتاد، عدم القدرة على النوم (الأرق) أو النوم لفترات طويلة، التعب البالغ أو فقدان الطاقة، قلّة الاهتمام ونقص الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على الفرح، التهيُّج الشديد والغضب، الخوف من ألاّ تكون السيدة أمًّا جيدة، اليأس، أحاسيس انعدام القيمة، أو الخزي، الذنب، انخفاض القدرة على التفكير بوضوح أو التركيز، أو اتخاذ القرارات، التملمُل، أفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل، تكرار أفكار الموت أو الانتحار، وربما يستمر اكتئابُ ما بعد الولادة لعدّة أشهر أو لمدّة أطول في حالة عدم علاجه.
ولكن هناك درجات لهذا الاكتئاب بحسب طبيعة كل امرأة، وتبقى النساء الأكثر كآبة، هنَّ اللواتي أُصِبن باكتئاب في الماضي، أو كانت الولادة عسيرة، أو اللواتي كانت لديهن صعوبات في الحياة الزوجية، كذلك اللواتي مررن بظروف صعبة، أو التي كانت تعيش في عزلة من أسرتها ومن أصدقائها الذين كان بإمكانهم مساعدتها، وطبعاً كل هذه الكآبة وهذا اليأس والصدمة في الحياة سببها كائن جميل جداً، ضعيف بحاجة لنا ليكبر ويقوى، كائن مسالم.
هذا الطفل الذي سبّب بقدومه مرحلة تغيّرات كبيرة، أو أحداث مزعجة أخرى تحدث في الوقت نفسه ساهمت في خلق اكتئاب ما بعد الولادة، ومنها التغيّرات السريعة التي تحصل في مستوى الهرمونات بعد الوضع، فهي تؤثّر بشكل كبير على الصحة العقلية للمرأة، أيضاً تغيّر الشكل الخارجي من سمنة أو ورم أو ازدياد النَدبات وشعور المرأة أنها فقدت جمالها، وهنا لابدّ أن تتوجّه المرأة إلى الطبيب. ويختلف وقت العلاج والشفاء اعتماداً على شدّة الاكتئاب والاحتياجات الفردية، أو فيما إذا كان هناك خمول في الغدة الدرقية، أو مرض كامن، فقد يعالج الطبيب هذه الأمراض أو يحيل السيدة إلى الاختصاصي المناسب وقد يكون طبيب الصحية النفسية.
ولكن عادة وفي معظم الأحيان يَتلاشى اكتئاب ما بعد الولادة من تلقاء نفسه في فترة تتراوح من بضعة أيام إلى أسبوع أو أسبوعين، أو يمكن أن تقوم السيدة بعدّة خطوات أهمها الاسترخاء قدر الإمكان, قبول الدعم من الأسرة والأصدقاء، التواصل مع سيدات حديثات الولادة، تخصيص وقت للعناية بالذات والأناقة والرشاقة والجمال, الابتعاد عن الكحول والمنبهات التي تسبب الاضطراب وتقلب للمزاج، أو اللجوء لطبيب نفسي مختص يساعد في التحدّث عن المخاوف الجديدة، فمن خلال هذا الحديث يمكن العثور على طُرق أفضل للتعامل مع المشاعر، وحل المشكلات الخاصة، ووضع أهداف واقعية والاستجابة للوضع الحالي بطريقة إيجابية. يمكن أيضاً أن يساعد الانتماء الأسري والعلاقات الأسرية بعلاج هذا الاكتئاب، وإذا فشلت كل الحلول يمكن أن يتمّ العلاج من خلال مضادات الاكتئاب، وبهذا نخلص للقول إن الكثير من السيدات أو الأمهات الجُدد تصاب بهذا النوع من الاكتئاب، ولكن يمكنك التخلّص منه عند ما تدركين أن هذا الاكتئاب ليس خطأ أي أحد، بل هو حالة طبية شائعة تحتاج إلى علاج وتأقلم مع أمومتك والاستمتاع بطفلك الجديد، وتذكّري أن جزءاً من الاهتمام بطفلك هو اهتمامك بنفسك، لذلك أحبي طفلك لتحبي نفسك وحياتك الجديدة معه، وتقبّلي هذا الكائن لأنه سيكون سرّ سعادتك وهو من منحك الأمومة ولقب أمّ.