أمومة مُغلّفة بالقلق

إيمان أحمد ونوس:

الأمومة غريزة وإحساس يُعشّش في كيان الأنثى منذ طفولتها الأولى. ويستمر الحلم مُرافقاً لأحلام وطموحات أخرى قد تُنحّيه جانباً بعض الوقت، كالدراسة أو العمل أو السفرا، لكنه يبقى نشطاً بين الحين والآخر، لاسيما حين تفرغ الفتاة من إنجاز طموحاتها الأخرى وتتهيأ للزواج، إذ تكون تلك الأمومة هي الهدف الكامن والأساس من زواجها، والذي تسعى منذ الشهور الأولى باتجاهه بكل ما أوتيت من غريزة وحب. وما إن تشعر بالبوادر الأولى للحمل حتى تراها مُحلّقة في فضاءات الفرح والسعادة والأمومة التي تطغى على كل إحساس لديها دون أن تُدرك ما سيواجهها من متاعب ومشاغل ومتغيّرات ستطرأ على غالبية مناحي حياتها وجسدها ونفسيتها.

وحين يحطُّ الوافد الجديد رحاله بين يديها تحتضنه بكل اللهفة والسعادة التي لم تُحسّها ولم تشعر بمثلها من قبل.. ورويداً رويداً يبدأ هذا المولود باحتلال كل الأوقات بمشاغله ومتطلباته التي لا تنتهي. وهنا تجد الأم الجديدة نفسها مُشتّتة ما بين احتياجات الطفل واحتياجات البيت والزوج والذات، وتشعر أنها تدور وسط دوامة لا تنتهي ولا تحطّ أمواجها على الشاطئ يوماً، ما يجعلها تغرق في نوبات من الحزن والقلق والخوف، وهذا ما تُعايشه غالبية الأمهات الجُدُد وما يُعرف علمياً أو طبياً باكتئاب ما بعد الولادة. ولعلّ لهذا الاكتئاب أسباب ودوافع مُتعدّدة ومختلفة منها:

  • القلق الذي ينتاب الأم الجديدة على حياة وليدها، إذ تخشى غالبية الأمهات من الوفاة المُفاجئة للطفل وهي نائمة وهذا ما يؤدي لقلّة النوم عند الأم وما يتبعها من متاعب وأوجاع جسدية ونفسية.
  • الخوف من ألا تستطيع الأم إنجاز كل المهام التي تتطلبها الأمومة الجديدة والتربية التي كانت تحلم بها لابنها.
  • القلق الذي يساور غالبية الأمهات في الأزمات والحروب على مصير حياة الطفل ومستقبله.
  • خوف الأم من شكل جسدها الذي تغيّر مع الحمل والخشية الدائمة من ألاّ يعود جسمها لطبيعته التي سبقت الحمل، وألاّ تستعيد رشاقتها وأناقتها السابقة.
  • رفض بعض الأمهات لأمومتهن لأسباب تتعلّق بالشريك/ الزوج وطبيعة العلاقة الزوجية بينهما.

إن كل ما ذُكر، وما يمكن أن يُضاف إليه من أسباب أخرى تتعلّق بكل حالة على انفراد، سيؤدي بالتأكيد إلى خلل نفسي تعيشه الأم يؤثّر سلباً بشكل أو بآخر على حياة الطفل والأم والأسرة معاً، وهو يحتاج بالتأكيد على الرعاية والاهتمام والمساعدة من المحيط، وخاصة من الزوج باعتباره يعيش معها الأبوّة لأول مرّة، ولما لمساندته للزوجة/ الأم من قيمة كبيرة تُعزز لديها الثقة بنفسها وبأمومتها ومقدرتها على تربية الوليد الجديد.

إن الأمومة الأولى تستدعي من الأم أولاً تهيئة نفسها لهذه المهمة من خلال الاطلاع على الدراسات والبحوث والتعليمات المُتعلّقة بهذا الشأن، كما تتطلّب من المختصين والمعنيين بشؤون الأسرة إقامة ندوات التوعية والتأهيل للآباء والأمهات الجُدُد كي لا يصل أحد منهم إلى ما ذكرناه أعلاه، وكي تنعم الأمهات بأمومة هانئة هادئة وسعيدة تُلبي من خلالها غريزتها واحتياجات الطفل الذي ملأ عليها حياتها. كما يتطلّب من وسائل الإعلام إلقاء الضوء على مثل هذه الحالات التي قد تعترض الأمهات كي يتهيأن مُسبقاً لتلك الأمومة المُغلّفة بالقلق إن لم يُستدرك الوضع بالتوجيه والإرشاد والتوعية الصحية اللازمة.

العدد 1102 - 03/4/2024