ليبيا.. مؤتمر برلين واجهة لتقاسم الغنائم!

د. صياح عزام: 

يبدو في نظر العديد من دول العالم أن ليبيا مجرد بئر نفط، والكل يريد حصة منه، يتقاتل حولها أصحاب النفوذ، ولهذا فإن الحل فيها شبه معدوم إن لم نقل معدوماً على المدى المنظور، ذلك أن ليبيا أزمتها مفتعلة لا يستطيع أحد إنكار هذا الأمر، والحلول الجدية غائبة حتى الآن، والمساعي المبذولة لإيجاد حل سياسي غير حميدة بعد أن ساق القدر هذه الدولة نحو عالم جشع وضمائر ملوثة، وقوى متنطعة تلهث وراء المكاسب، فباتت ليبيا تحت الوصاية الدولية.

ليبيا جرحها عميق وينزف بغزارة منذ عام 2011 خاصة في السنوات الأخيرة، والجرّاح الذي يحاول إنقاذها يعرف ذلك، ولكنه يتعامى عن الحقيقة ولا يقدم العلاج الناجع، والسؤال المهم الذي يُطرح: كيف سينجح الحل السياسي في ليبيا وفيها أكثر من 280 ميليشيا مسلحة تعمل بالأجر وتتقاتل على المكاسب لها ولأسيادها، وتمارس أبشع صنوف القتل والنهب والابتزاز؟

وما دامت هذه الميليشيات وخاصة التابعة منها لقطر وتركيا، تمتلك القرار السياسي وتتحكم في الأرض، وبالتالي فعلى ماذا اجتمع المؤتمرون في برلين! وعن أيّ حل سياسي يتحدثون وجماعات الإسلام السياسي التي أُسقطت في غالبية دول الشرق الأوسط مازالت منتعشة في ليبيا رغم فشلها في كل الانتخابات الليبية؟

 وأيُّ حل متوقع من قبل اجتماع برلين بعد أن سبقته سيناريوهات مماثلة في مؤتمر أبو ظبي، ومؤتمر الصخيرات، لم تتوصل إلى حل، بل تمزقت ليبيا أكثر مما كانت عليه قبل هذه المؤتمرات!

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علّق عل نتائج مؤتمر برلين قائلاً: (بأنه هو مجرد خطوة صغيرة وأنَّ الأطراف الفاعلة في قضية ليبيا تعرف جيداً أن الواقع على الأرض يختلف عما دار في مؤتمر برلين وغيره من المؤتمرات التي عقدت سابقاً) وبالتالي ما يمكن أن يُقال حول نتائجه هو أن هذا المؤتمر سيكون ورقة أخرى توضع على رفوف أرشيف القضية الليبية.

إن مؤتمر برلين وما سبقه لن يحل المشكلة، لأن حجم الصراع أقوى بكثير من حجم الرغبة في إحلال السلام في هذا البلد العربي، وذلك لعدة عوامل منها:

– أن 12 دولة من الدول المشاركة في مؤتمر برلين أغلبها شارك منذ عام 2011 مشاركة فعلية في إسقاط نظام معمر القذافي وفي تدمير الدولة الليبية، وبعضها الآخر سعى إلى السيطرة على الثروات من خلال تعزيز سلطة الميليشيات والفوضى، وقد جاءت الاتهامات التي وجهها الرئيس الفرنسي ماكرون في مؤتمر برلين إلى الرئيس التركي أردوغان، والتي كانت سبباً في مغادرته الفورية لألمانيا، لتكشف الدليل على صراع المحاور، وهو صراع يجعل الحل في ليبيا بعيداً في الوقت الراهن.

– وزير الخارجية الألماني هايكوماس قال: (أنا والمستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) وخلال المباحثات مع المشير حفتر وفائز السراج، بحثنا قضايا تتعلق بالقطاع النفطي، وأكد الجانبان استعدادهما لإيجاد حل لهذه القضية).

بالطبع فإن مثل هذا القول يشير إلى أن الوفود أتت إلى برلين من أجل هدف أساسي هو تأمين صادرات النفط بغض النظر عن الوصول إلى حل سياسي من عدمه، وبلغة أخرى هي (النفط أولاً والنفط أخيراً).

– إن مغادرة الرئيس التركي أردوغان السريعة لألمانيا بعد اتهامات له بتسفير الإرهابيين إلى طرابلس وخرقه لحظر السلاح، تدل على أن أردوغان سيمضي في تحدي المجتمع الدولي، وفي إيجاد بؤر إرهابية جديدة، وخرق أحد بنود بيان برلين الذي يقول (ضرورة حل الأزمة الليبية بواسطة الليبيين أنفسهم من دون تدخل خارجي)، إلا أن التدخل الخارجي موجود، وتقول مصادر موثوقة إنه جرى نقل 2400 إرهابي إلى ليبيا من سورية، وأن تركيا عازمة على نقل أكثر من 6000 إرهابي آخر في الأيام القليلة القادمة، علاوة على نقل السلاح الذي يتدفق إلى إرهابيي طرابلس الموالين لتركيا، كما أن أردوغان أحيا تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، بدليل البيان الذي أصدره هذا التنظيم في يوم انعقاد مؤتمر برلين، والذي أعلن فيه عن وجوده في ليبيا وتهديده لدول الجوار الليبي.

ويشير الوجود العربي الضعيف في مؤتمر برلين (مصر والجزائر والإمارات العربية) إلى رغبة حقيقة في تدويل القضية وإخراجها من سياقها العربي، خاصة أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية تريد تغييب العرب عن القضية الليبية.

الخلاصة.. إن مؤتمر برلين يعيدنا إلى عام 1884 عندما اجتمعت الدول الاستعمارية بدعوة من بسمارك لتوزيع الورثة واقتسام الغنائم أو توزيع إفريقيا بين الدول الاستعمارية، وما يساعد على استمرار الأزمة الليبية والتدخلات الدولية فيها، تشرذم الدول العربية واستمرار تقاتل الميليشيات التي تغذيها كل من تركيا ومحمية قطر.

 

العدد 1102 - 03/4/2024