القطاع العام في سورية.. إلى أين؟

“النور” –  غزل حسين المصطفى:

انطلاقاً من العنوان قد يتبادر للذهن مجموعة أسئلة يمكن أن تكون منطقية في ظل الظروف الراهنة لاسيما الاقتصادية منها، وقد ناقشنا الموضوع ضمن مجموعة محاور في المركز الثقافي – ابو رمانة مع أ.د.حسين القاضي.

بدايةً، شهدت سورية كغيرها من الأراضي العربية التي خضعت للحكم العثماني أربعة قرون ونيف، ركوداً اقتصادياً طويلاً، فقد كانت الأرض هي وسيلة الإنتاج الوحيدة بصورة عامة، وكانت الأرض مملوكة للسلطان العثماني، وهو الذي يجيز للعائلات الإقطاعية أن تستثمرها شريطة أن تدفع أتاوات عينية محددة، إضافة إلى الضرائب النقدية المتعددة التي كانت تقارب المئة ضريبة، حتى إن نقل البضائع بين الولايات كان خاضعاً للضرائب الجمركية، وكان نقل البضائع محفوفاً بالمخاطر وأبرزها هجمات قطاع الطرق.

كل ذلك جعل وجود أرباح أو فوائض لدى الإقطاعيين صعب المنال، أما الفلاحون فكانوا بصعوبة يحصلون على قوت يومهم، وهم مجبرون على العمل في أراضي الإقطاعيين مع عائلاتهم وحتى شبابهم ألزموهم بالإجبار على أداء الخدمة الإلزامية (الجهادية) التي كانت تطول إلى عشرين عاماً عدا الخدمة الاحتياطية، لذلك لم تتوفر تراكمات رأسمالية لتطوير المشروعات الحرفية اليدوية، ولم تتوفر قوة العمل اللازمة لذلك حتى سقوط الدولة العثمانية عام 1916 الذي قدم نقطة انطلاق جديدة حررت الاقتصاد السوري من القيود القديمة، مما مكن الورشات الصناعية أن تتحول إلى مصانع عصرية.

أما عن نشوء القطاع العام الاقتصادي، فقد كان لمجموعة التشريعات التي أصدرها جمال عبد الناصر تؤسس للقطاع العام الاقتصادي وتفصل البورجوازية الوطنية عن المشروع القومي وتحكم بفشله السريع، لكن حلول الانفصال حال دون استمرارها وحلت محلها وهيمن القطاع العام على النشاط الاقتصادي في سورية بعد مجموعة القرارات التي اتخذت فيما بعد، وما زال مهيمناً على النشاط الاقتصادي حتى الآن. رغم أن القطاع العام لم يمارس نشاطاً استثمارياً ذا أهمية منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، كما لم يمارس القطاع الخاص ذلك الدور الموعود، مما انعكس على تراجع معدلات النمو حتى صارت سالبة بحسب الأسعار الثابتة. مما أدى إلى اتساع نطاق الفقر وتزايد موجات الهجرة إلى دول الخليج أو إلى الدول المجاورة أو إلى دول أخرى بحثاً عن عمل. وقد ساعدت هذه الظروف على انضمام بعض الشباب اليائس إلى المنظمات الإرهابية.

 

ماذا عن إدارة القطاع العام؟

القطاع الخاص في سورية الذي تحول إلى قطاع عام خلال العقد السادس من القرن الماضي كان قطاعاً رابحاً بامتياز، وقد كانت مؤشرات النمو الاقتصادي في سورية متميزة عن كل الدول العربية في تلك الفترة، ولعل البحث في إدارة هذا القطاع العام تقدم تفسيراً لهذا الفشل الذي مني به هذا القطاع العام وجعله عبئاً على الاقتصاد الوطني بصورة عامة، وعبئاً على موازنة الدولة بشكل خاص.

ويرى أ. د. حسين القاضي أن العوامل التي أسهمت في صيرورة القطاع العام إلى الوضع الراهن تتمثل بـ (نقص الاستقلال، البيروقراطية).

يمكن القول إن السلطات السياسية تحسست مشكلة القطاع العام الاقتصادي وحاولت التصدي لحلها من خلال عدة محاولات (لجنة الخمسة والثلاثين، اقتصاد السوق الاجتماعي، التشاركية).

يمكن القول إن تحويل شركات ومؤسسات القطاع العام إلى شركات مساهمة هو الخطوة الأولى في طريق إصلاح القطاع العام وحل مشكلاته.

ختاماً، صعب على كثير من الناس أن يستوعبوا مفهوم التضخم، لكنهم يدركون هذا المفهوم عند قياس نتائجه الاقتصادية والاجتماعية، كارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار العملات الصعبة، وزيادة جماهير الفقراء، مما يستوجب تدخلاً حكومياً في تغيير المعطيات.

 

العدد 1102 - 03/4/2024