فلسطين.. خيال الظـلّ العـربي

إيمان أحمد ونوس:

منذ تفتّح وعينا ونحن نسمع ونُعايش القضية الفلسطينية كقضية محورية وأساسية في النضال العربي ضدّ المحتل الإسرائيلي، وفي كل مرحلة كُنّا نُصدّق أن تحرير فلسطين قاب قوسين أو أدنى من التحقيق. هرمنا وما زال الوضع على حاله، فالشعارات العربية والشعارات الإسرائيلية هي ذاتها مع اختلاف أدوات كل زمن!

فالقضية الفلسطينية، على مدى هذه العقود المُستمرة منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي كانت ومازالت الشغل الشاغل للمحافل الدولية التي ما فتئت تُصدر القرارات الأمميّة الداعية إلى الحفاظ على حقّ الفلسطينيين في أرضهم وعوده اللاجئين إليها، مع بضع إشارات إدانة للمُحتل لا تُغني ولا تُسمن، إضافة إلى تخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الأعزل إلاّ من صبره وصموده وأمله في تحرير بلاده والعيش بكرامة وسلام. وعربياً كانت القضية الفلسطينية قضية كرامة ووجود، ومسألة محورية في التعامل مع القضايا الدولية. لكن، ومع مرور الزمن، غدت تلك القضية بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية ورقة ضغط ومساومة وتجارة رابحة لا أكثر، إضافة إلى أنها كانت الشمّاعة التي تُكبّل هذه الأنظمةُ شعوبَها بها سواء اقتصادياً أو سياسياً، في الوقت الذي كانت بالنسبة لشعوب هذه الدول قضية شعب لا بدّ أن نُناصره بمختلف الوسائل حتى يستعيد أرضه وأمنه، وهذا ما بدا واضحاً في موقفه من الانتفاضات المُتعدّدة التي عاشها الشعب الفلسطيني وما يزال.

ورغم ما سطّرته المرأة الفلسطينية على مدى عقود الاحتلال من بطولات وتضحيات، إلاّ أنها بقيت في الظلّ تعيش معاناتها وحيدة رغم آلاف الآهات والصيحات والصرخات المُستغيثة بأصحاب النخوة والضمير الإنساني… لكن، هيهات لتلك الصرخات أن تلقى الصدى! ألا يكفي أن الهيئات والمحافل الدولية خصّصت يوماً تضامنياً مع آلامها؟ ألا يكفي أن الدول العربية ما زالت حتى اليوم تعقد المؤتمرات الخاصة بالقدس التي خُصص لها يوم في الأجندة العربية!؟

للأسف، هرمنا وما زالت القضية الفلسطينية تراوح في مكانها، بل للأسوأ في المرحلة الراهنة، في ظلّ وقاحة الأنظمة التي طبّعت وتُطبّع اليوم جهاراً مع إسرائيل، وأيضاً في ظلّ ما تعيشه غالبية الشعوب المُنتفضة ضدّ الفقر والجوع والاستبداد مُعلنة رفضها لكل ما يقتل إنسانيتها ووجودها على خارطة الحياة والحضارة، أمام هذا الواقع ما زالت فلسطين مسرحاً لخيال الظلّ المُقيم فيها ما دام الواقع العربي مشطوراً ما بين تطبيع أنظمة وانتفاضات شعوب أنهكها الذل وسَحلُ فلسطين وشعبها يومياً ثمناً باهظاً للرضا الغربي الذي لا يخجل من تخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يُدمّر ليس فلسطين وحدها بل عموم المنطقة العربية العابقة برائحة النفط والغاز ومن خلفهما الماء الذي تُشنُّ الحروب لأجله اليوم ولم تُغفله إسرائيل أبداً.

العدد 1102 - 03/4/2024